لم يعد النموذج الروائي الأوربي هو الوحيد في المشهد الروائي العالمي إذ اقتحمه باقتدار زخم من الروائيين المنتمين إلى أمريكا اللاتينية ومنهم على سبيل الاستدلال غابرييل غارسيا ماركيز ولا سيما في روايته الشهيرة "مائة عام من العزلة" إذ انبثقت رؤية مؤكدة هي أن المرقاة إلى العالمية لا يمكن أن تتحقق عبر تقليد النموذج الروائي الأوربي وإنما عبر سلم المحلي وتفاصيله بل المغرق في محليته، وهو على وجه الدقة ما يشكل نبرات الصوت الخاص والبصمات التي لا تشبهها أية بصمة أخرى، وهذا ما أكده تماماً الروائي العربي العالمي نجيب محفوظ حين عبر من خلال زقاق المدق وخان الخليلي. وها هو الروائي العماني محمد عيد العريمي ينطلق من هذه الرؤية ذاتها كي يشتشرف أفقاً جديداً بسعة الصحراء والماء قطبي هذه الرواية المهمة مجذراً لهذا الانتقال من البداوة إلى المدينة وبأسلوب الفنان الذي يجيد اختيار الزاوية التي ينفذ منها إلى مثل هذا الموضوع المركب مع استيعاب لا يخفى لطبيعة الفن السردي التي تنفر من المباشرة والقيود القسرية ولغة التنظير وتلوذ بدلاً عن ذلك بالتقنيات والأدوات الفنية السردية من شخصيات وحوار وحدث وفضاء زمكاني وجمل سردية ناصعة.
«عندما يكون العمل متعة، فإن الحياة سعيدة! وإن كان العمل واجبا، فإن الحياة عبودية»، ذلك ما صرح به الكاتب الروسي للقصة القصيرة والرواية وأدب السيرة الذاتية والدراما والصحافي الكسندر مكسيموفيتش بيشكوف الشهير بلقبه مكسيم غوركي وغوركي تعني المرير. وهو من رواد الأدب الروسي ومن جيل أنطون تشيخوف ومؤسس أدب الواقع الاجتماعي الذي شوهته الشيوعية ليصبح الأدب الاشتراكي المستبد. اعتبر مكسيم غوركي الذي ولد في 16 مارس عام 1868 في نيزني نوفغورود، أديب شعب روسيا وممثل الطبقة الدنيا التي سحقها الفقر اولا خلال حكم القيصر ومن ثم الاضطهاد والدكتاتورية لمختلف الفئات بعد الثورة البولشوفية. تجلت عظمة أدبه في كتابته عن صراع ومعاناة وآلام الطبقة الدنيا من المجتمع، التي ينتمي إليها وعايش كافة جوانبها ابتداء من طفولته وحتى أصبح كاتبا شهيرا. عاش مكيسم يتيما بعدما توفي والده بالكوليرا حينما كان مكسيم في الخامسة ووالدته بمرض السل بعد سنوات معدودة. اعتنت به جدته التي كان لها تأثير كبير على حياته فمنها استمد حبه وتعاطفه مع الفقراء ومن قصصها وحكاياها اغتنى خياله. أجبره جده القاسي على ترك الدراسة والالتحاق بالعمل قبل بلوغه العاشرة وحاول الانتحار حينما كان في التاسعة عشرة من عمره وذلك بعد وفاة جدته التي كانت أعز مخلوق عنده.
نعمت أحلام لم تنقهر عن الطموح وإن جثمت صروف الدهر على صدرها، وأطبقت أيدي الأيام على خانقها. أحلام تأبى الاستهانة والانهزام، وتشق صخر الواقع الصلب بقوة صدقها وصلابة إيمانها بمعتقداتها. أحلام تظل تغرس جذورها في باطن الأرض وأعماق طبقاتها، لتنمو حرة طليقة ثابتة الرسوخ، تمد أغصانها وترسل فروعها عالية في أفق السماء، مخضرة الأوراق شذية الأزهار يانعة الثمار وارفة الظلال.
سكن لهيب شمس النهار، وذهبت لترقد، بدأت تظلم، وأنارت مصابيح السيارات الطريق، وباتت عيون القطط متقدةً باللمعان، فكأنها ليلة عرس قد تزينت بها، وأنا أتذوق متعة القيادة دون رفيق؛ فللسفر بحال كهذا طعم خاص. أسبح في خيالات الذكريات، وأرصفة الماضي تارة، والحاضر المثير تارة أخرى. هي لحظة اتفق فيها القلب والعقل، واستقر الإلهام العابر ليتسلل إلى أناملي، فكانت تالين.
لم يستكن الأجداد قديما إلى السفر عن طريق البحر وهم يرتحلون إلى كثير من أصقاع المعمورة محُملين بالمحامل والمراكب، سالكين في ذلك عدة طرق مختلفة بعدما سجلوا السبق من خلال الريادة، حيث بات البحر جسرا لهم كي يصلوا إلى بلدان تقبع وراء البحار من خلال التبادل التجاري، وكانت سفنهم مليئة بالبضائع وأخشاب الكندل والتوابل كثير من السلع. في هذا الإصدار بسرد بعض القصص البحرية الواقعية والتي سردها لي بعضهم ولم يعرف عنها أحد، ومنها عايشتها شخصيا في البحر واصفا ما رأته عيناي بكل تفاصيلها، ناقلا لقراي الأعزاء مما قمت بتوثيقه بالكلمة والصورة.
مزق أنا والليل يفرش لي عباءته.. استرح والنفس حبلى بالهزائم لا شمس تؤويني ولا نور يستر سوءتي لا ريح تطفئ نار عصياني وتكنس ما تبعثر من حماقاتي وزلاتي وأكوام الشتائم إني وأدت کرامتي بيدي واغتلت الحمائم
لعنة العائلة أن أفرادها لا يأبهون أبدًا بأي شيء، يعرفون كل أبعاد مشاكلهم. يرون الحقيقة المرة واضحة أمام أعينهم لكنهم لا يحركون ساكنا لإنقاذ ذواتهم، تماما كما يحدث حين يمشي رجل طيلة الليل ثم ينام من فرط التعب، يستيقظ صباحًا ليدرك أنه ينام على سكك الحديد. يسمع قطارًا يأتي من بعيد.. لكنه لا يريد تحريك جسده. يقول: "أتعبني ما أنجزت فيما مضى من رحلتي. القطار بعيد. حين يقترب سأتصرف". ليس به إعاقة لكنه لا يجد الوقت مناسبًا للتصرف. ويسمع القطار يقترب وهو ينتظر، ثم في الوقت الذي يفترض أنه يتصرف فيه يغلبه النعاس فيدوسه القطار. عبدالعزيز الفارسي
لم يبتهج يوما دفعة واحدة كانت كل حياته مقسطة حب مقسط فرحة مقسطة نسیان مقسط كل شيء مقسط تقريبا عدا فواجعه وانفتاق ذكرياته السيئة وحدها من كانت وفية لأن تأتيه كاملة دفعة واحدة
كتاب "تداوليات الخطاب السردي في روايات علي المعمري" للدكتور علي الشرجي، كتاب استعرض فيه جملة من المباحث المتصلة بالتداوليات والتخييل السردي ونظرية العوالم الممكنة وأفعال الكلام وخطاب التخييل وتعدد الأصوات وتعدد البناء الفني ومباحث في التنوع الكلامي وما يشتمل عليه من مزج اللغات وحضور اللغة الشعرية وغيرها من العناوين التحليلية للخطاب السردي التداولي للمدونة الروائية للكاتب علي المعمري، وهي رواية همس الجسور وراية ابن سولع، يقول الباحث في مقدمة الكتاب عن الرواية العمانية " عرفت تراكماتٍ على صعيد الكتابة الإبداعية فنيًا وموضوعيًا، وراهنت على إثبات وجودها".
في "تذاكر سفر" سنقرأ عن الأمكنة التي حط الكاتب رحاله فيها عبر سنوات متباعدة من حياته، وسنتعرف على تاريخ هذه الأماكن، وعلى عادات وتقاليد شعوبها ومجتمعاتها وفنونهم، ومأكولاتهم، ونعايش تفاصيل الحياة فيها، وسيجد القارئ نفسه أمام برنامج رحلة متكامل يساعده على "التخطيط" لرحلة مشابهة، واختيار خط السير المناسب بين الأمكنة المحيطة، فهنا الكاتب دليل إرشادي، لم يترك شاردة ولا واردة إلا أتى على ذكرها، وبيان تفصيلها..
ترويض الفيلة .. للشاعر فيصل الحضرمي اشتملت المجموعة الشعرية على الستين نصًّا نثريًا، تغلب عليها روح السرد، والتأمل في الوجود، ومعطيات الطبيعة، وخيالات الطفولة، وحضور المرأة بشتى دلالاتها، تظهر الشعرية من عناوين نصوصه مثل صلاة ذات أجنحة، لو أن القصيدة سألتني، مرثية في آخر ما تبقى من شعر يواصل السقوط. وهذا مقطع من نص استحالات: "أستحيل جبلًا، لأطوح بالشمس خلف كتفي، وأنام، فأنا التعب، وأنا السهاد الذي لم يغمض له جفن".
"متلك طلال الصلتي صوتا شعريا واضحا وأصيلا شاعر يبدأ من القمة ليرتقي عبر معراج القصيدة إلى سماواتها اللانهائية، يبتكر الدهشة ويلامس شغاف القلب برهافة متناهية، إنه شاعر مخلص للشعر ويشتغل على نصه - کما تجربته - بهدوء عمیق، غیر مستعجل الظهور أو متعجل البروز والشهرة. قصيدته مزيج من الفوضى والشك والتمرد والتصوف واليقين والعشق والانعتاق والسؤال القلق والحيرة المضنية، التي يغمسها جميعا في مياه اللغة العذبة، في صوغ منها معزوفات إبداعية ذات إيقاع ينفذعميقا إلى الروح، إنني أستطيع القول بأن طلال الصلتي من الأصوات الشعرية الشابة التي نراهن عليها في تشكيل المشهد الشعري العماني مستقبلا، لتبقى سماء القصيدة العمانية مشعة بنجومها متلألئة بأقمارها الوهاجة على الدوام". حسن المطروشي شاعر ومترجم عماني