مع ذلك فإنَّ ما حَدَثَ البارحةَ كان أمراً صغيراً بإمتيازٍ، أمراً عَرَضِيّاً يَحْدُثُ دائماً، حتَّى إنَّهُ لا يجبُ أنْ يُحْدِثَ أيَّ تأثيرٍ، لكنَّه، وللغرابةِ وحدَها، أحْدَثَ تأثيراً، تأثيراً غريباً جدّاً، فهو لم يَكْتَفِ فقط بإستبدال الهدوء بالصَّخبِ، بل أيضاً أضفّى على الجَوِّ كثافةً ما تُشْبهُ الرُّطوبةَ في ثِقَلِها، لكنَّها ليست الرُّطوبةَ، فهي أشْبَهُ بالإمتلاء الذي تُحسُّ به في فمها عندما تبتلعُ قطع حلوى "الماشملو" الإسفنجية الكثيفة الناعمة التي تبعث فيها الإحساس بأن كل المجسات الدقيقة على لسانها وكل خلايا فمها راضيةٌ تماماً، راضيةٌ ومُمتلئة.
في هذا الكتاب يتأكد للقارىء أن المرأة العربية، والُعمانية مثالنا في هذه الرواية، ما تزال أسيرة التقاليد وضحالة الثقافة وممارسات الرجل الجائرة. "صابرة وأصيلة" عمل روائي تحاول الكاتبة من خلاله الكشف عن واقع اجتماعي كان يغرق فيه المجتمع العماني في فترة الستينات. قهر وظلم واستبداد يحيط بالمرأة في ذاك المجتمع وسطوة ذكورية مجحفة ليس من رادع لها. تكشف الكاتب عن ذلك من خلال شخصيتها المحورية صابرة وأصيلة الصديقتان اللتان جمعت بينهما صداقة لم يحول دونها سوى موت صابرة التي دفعت حياتها وحياة وليدها ثمناً لغدر شهم الذي غرر بها."تميل الرواية إلى التجريب من خلال استخدام الحكاية داخل الحكاية وتوظيف الشعر بوصفه لغة مجازية مختلفة عن لغة السرد التقريرية ليكون بمثابة تعليق على أحداث الرواية يسهم من خلال لغته المجازية الموحية والمكثفة في تعميق إحساس المتلقي بالمشهد السردي وطبيعة الشخصية" مفيد نجم ناقد سوري من موقع نزوى
نودي في مدن المملكة وسائر قراها، أن الملك يطلب الفقراء جميعا إلى ساحة قصره الغداة كي يحل مشكلتهم، وقد صدع بهذا النداء المهول في كل ركن وناحية من كل حي، حتى تأكد المنادون أن مامن طير في عشه، ولا حجر أصم في موضعه، فاته خبر الدعوة.
التقط زاهر المحروقي برهافةٍ شخصيات مُدهشة من محيطه وأخضعها لمجهر الكتابة، متأمِّلًا إيَّاها ومُصغيًا إلى أحاسيسها وهواجسها وأحلامها، حتى لتبدو أنها خرجت من بطن رواية مدهشة لا من واقع معيش. في “صديق الملكة” مثلًا نشاهد الرجل العائش في الأوهام الذي يصنع بالخيال واقعًا آخر غير الذي يعيشه، وفي “آسفة.. أرفض هذه الكرامة” نندهش من المرأة المبتلاة بمعرفة ما يدور في ضمائر الآخرين قبل أن ينطقوه، وفي نص “في الوقت نفسه: أصلِّي وأقرأ النشرة!” يسرد لنا حكايتَه هو شخصيًّا وقد شُوهِد في اللحظة نفسها في مكانين مختلفين متباعدين، أما في “مطعم الأوهام العجيبة” فلا يملك القارئ إلا الابتسام وهو يقرأ حكاية المجانين الذين فرُّوا من المستشفى، ثم عادوا إليه بعدد أكبر من الذي هرب! وفي “البيوت أسرار” يحبس أنفاسنا بحكاية “الباصر” (هل أقول المشعوذ؟) الذي تمكَّن من شفاء آلام مبرِّحة في الظهر بمجرد كشفه غطاء صينية أمامه! وغيرها من الحكايات التي اقتنصها المحروقي وعرف كيف يوظِّفها في سرد مشوق، ما إن تبدأ بقراءته حتى تجد نفسك مجبرًا على المواصلة. سليمان المعمري
ألم أقل لك أن الصدفة ستساعدنا؟ فتحت الباب وشرعت أصرخ بأعلى صوتي، هرع أخي خلفي ثم تقدمني وهو يمطرني بالصور ويهتف: - صرخة مونش. صرخة مونش. استمر في الصراخ. لا تتوقف. كان البيت فارغًا، وشعرت وأنا أصرخ وكأن وجهي استطال واختفت وجنتاي وضاقت عيناي وانكمش ذقني واستحال نقطة باهتة، فقد اكتسحت الصرخة جميع ملامح وجهي وطوتها في تفاصيل فمي المفتوح كهاوية. وكان أخي يرسل أضواء كاميرته وهو يهتف منتشيًا : - اصرخ..
أفكر بصوت مكتوب، وأعيش الحياة فكرة بعد فكرة وأدون الحروف على شاكلة يوميات حتى تبقى لأمد طويل، وحتى أعود لها بعد حين فأدرك أي فكرة تلك التي خطرت على بالي ذات زمن، وأي حالة شعورية تلك التي كنت أعيشها، التفكير بصوت مكتوب يتيح للفكرة أن تبقى، وللخيال أن يرسم على الورق، وللكلمات أن تعبر محيطها الضيق حتى تصل إلى الآخر، فتلتقي وفكره المشابه أو تثير لديه فكرة أخرى مختلفة، وفي كل الأحوال تثير الفكر وتحرك مستنقع التفكير.
ضجيج المرايا رحلة أدبية تطوف في طول البلاد وعرضها وهو السفر في الأسفار والصاحب الذي يقي من نیوب الحادثات وعضها مرايا ترى فيها لنفسك صورة فشد بها كفا وحل بأرضها"
يهرب سالم من أبيه الصارم ومشيخته في «وادي السحتن» إلى «الإمبراطورية الصغيرة» حيث الأرض التي سقطت بين ثلاثة جبال «وادي عدي»، ليجد فيها ملاذه ومستقره، بينما قرع الطبولِ لا يفارقه. إنها طبول الهرب والجوع نسمعها خارجة من أحشائه، إنها طبول الطموح والأمل، مصحوبة بالمجهول والمرتقب، وهي تعلو وتبطئ وتسرع على هدي هذه الرحلة الروائية البديعة التي ينسجها الروائي العماني محمود الرحبي بإيقاع تخييلي وتوثيقي، مازجاً الأغاني الشعبية بالصلوات، والتمائم بدخان السجائر، والرغبات الصاخبة بهدير مكيفات الهواء.
لم تكنْ قِصّة الحبّ التي جمعَت بينَ “علي” و”طفلة” قِصّة عاديّة؛ ذلك أنّها كانت شاهدةً على فترة تاريخيًة مهمّة، هي السنوات التي وُلدت فيها عُمان الحديثة، وعادت بعدَها لتتبوّأ المكانة التي تليق بتاريخها وثراثها الحضاريّ. تجري معظمُ الأحداث في ظفار، وفي عاصمتها صلالة بالتحديد. في تلك المدينةِ الجنوبية التي كانت معزولة عن العالم نشأَت “طفلة” وأحبّها علي. وحولَ قصة الحبّ هذه نسَجَ خالد الشنفري خيوطَ روايته، فأخذَنا معه أخذاً شيّقاً إلى عادات أهلِ صلالة، وإلى ملامح تُراثهم. وقدّم لنا معجماً هائلاً من المفردات المحليّة التي شملَت جوانبَ الحياة الشعبيّة هناك في ستينيّات وسبعينيّات القرن العشرين. وأرّخَ كذلك للأحداث السياسيّة التي شهدتها تلك السنوات، وللصراعات التي انتهت بمولد عُمان الحديثة. “طفلة” عمل فنيّ جميل، ورواية معرفيّة دسمة لا غنى للمثقّف العربيّ عنها.