للحكاية فصول... يبدو أن العالم بأجمعه يعيش وهج الحكايات التي تحملها أطياف الذاكرة الجمعية، لذلك فالحكاية "إرث إنساني" لا يمكن الانسلاخ منه، وهو انعكاس لثقافة المجتمع، و وصلة حضارية لا يمكن الفكاك منها. فيما يأتي التراث ليكون الوعاء الحاوي لتلك الحكايات وقريناتها كالأسطورة والخرافة، ضمن نسق غرائبي يمتزج بالفنون والدراما عبر علاقة أبدية لا يمكن تجاهلها. وتحفل سلطنة عمان بكنوز تراثية ثمينة، تعتبر معينا متدفقا مد الكتاب بحاجتهم للاستمرار والتواصل، وما يزال بعضها أرضا بکرا، لم يتأثر بالآخرين.
يقال : " أن الحب قصة.. رواها جد لأحفاده قبل النوم .. ولكن غلبهم النعاس .. فوعدهم الجد أن يكمل لهم القصة. ولكن للأسف.. توفي الجد قبل أن يكملها لهم .. فبقي الحب قصة لا يعرف أحد نهايتها ".
تركني في هذا الفراغ السحيق كهوّة بئر يسقط فيها المرء ولا يصل إلى القاع، لقد تركني في دوّامة من الرعب، شعرت أنّ ثمة عيوناً تفتح من تحت الأرض تراقبني، كان كل شيء يتحرّك من حولي. كان الأصوات تنبعث من كلّ مكان، أصبحتُ وحيداً بين تلك الوهاد والحفر المظلمة، لقد تحوّلت تلك الخفافيش إلى جثثٍ معلّقةٍ مرعبة. لم يكن أمامي سوق الانطلاق نحو ذلك الضوء الخافت البعيد، لم أشعر بقدميّ من شدة الخوف، كنت أعدو عدواً وأسقط عدّة مرّات لكنّي أواصل المسيرة، أتوقّف قليلاً لتأمّل كل حجرٍ تدمى عليه قدمي، كم عوت الذئاب المعربدة على ضفّة الوادي وأنا أهدهد جمرة الخوف بالآيات القرآنية والدموع!... لم أكن أشعر أنّي اقترب من الضوء لكنّي ما زلت أمشي وأمشي...
الحياة ليست دائما كما تبدو، ولهذا فقد تكون هناك الكثير من الأشياء موجودة لكنها لا ترى ولا تسمع ولا تحس . وإن كانت الحياة في مجرياتها غير واضحة المعالم لمن يعيش لحظاتها وساعاتها، فلا شك أن النهاية مجهولة وأن ما بعدها أكثر غموضا منها. وعموما، فقد تحمل بعض الأسماء أكثر من معنى، وقد تكون هذه المعاني متضادة في دلالاتها. لكن هكذا هي الحياة، فكما أن في الحياة خريفا كخريف جنوب عمان يجلب البهجة، فإن هناك خريفا يسقط الأوراق ويذهب بالبهجة، لكن تلك الأوراق المتبقية على غصون الأشجار، يمكنها أن تقاوم السقوط حتى يأتي الربيع مزهرا قشيبا. إن أعمق دروس خريف هذا العام، هو أنه مهما كانت أوجه وسمات الخريف الذي نعيشه، فإنه سيمضي ليأتي فصل آخر من فصول السنة، لكن الأمل والدافع للحياة يجب أن يبقى مهما كانت الصورة والظروف المحيطة بها.
كتاب (لو كنا نقرأ) هو مقالات وقصص وخواطر ومقولات وحوارات تدور حول القراءة والقارئ والكتابة والكتاب والكاتب. مواضيع قمت بجمعها -بعد أن اختصرتها وشذبتها- من خلال قراءاتي للكتب والصحف والمواقع الإلكترونية لسنوات طويلة. فقد كنت أحتفظ بأي موضوع قرأته ووجدت أن له علاقة بالقراءة أو مشتقاتها، ومع مرور الوقت تجمع لدي عدد لا بأس به من هذه المواضيع، فوضعتها في هذا الكتاب الذي بين يديك. وقد جعلت كتابي منوعاً، لكي لا تشعر بملل وأنت تقرؤه، أنقلك فيه من قصة إلى مقولة إلى خاطرة إلى حوار، إلى مقالة. أرجو أن تجد -أخي القارئ- المتعة والفائدة وأنت تتجول بين صفحات الكتاب.
أشعلت سراج الأمنيات من جديد فلم أجد غير ظلمة تقيم على بعضها.. حاولت أن ألملم بقايا أوراقنا المنثورة لكنها الريح حملتها بعيدا.. بعيدا. وظل الليل مقيما في الذات إلى الأبد.
لم يبق بصحراء، الليل الموحش منك، سواي.. لم يبق بها، بعد ذبول ضيائك إلاي، لم يبق سوى.. نفسي الأمارة بك.. ودموع الظلمة، في كأس أساي، لم يبق سوى همس، ظل بذاكرة الأمس، وأشلاء بقاياي
ما لم تقله الأرض .. لوسام العاني، وهو شاعر عراقي. يضمّ كتابه "ما لم تقله الأرض" حزمة من القصائد العمودية المطعمة بقصيدة التفعيلة، يعلو الإيقاع الخليلي على جو القصائد فيطفو الطويل والبسيط والكامل والمتقارب وغيرها من الأوزان القديمة التي يعالج محتواها بلغة تصويرية جديدة يطرح من خلالها هواجس الذات في خطاب المؤنث الحبيبة الأم الأرض "فكوني القصيدة كوني مجازا" موظفًا الأساطير كأسطورة سيزيف، والمصطلح الصوفي في بعض قصائده. يمزج وسام العاني بين النغم العالي والصورة الشعرية الضاحّة بالدلالات.
يضم هذا الكتاب مجموعة منوّعة من الدراسات والمقالات حول قضايا مختلفة في السرد والنقد والثقافة. وقد حظيت القصة القصيرة في الباب الأول منه "السرد" بالنصيب الوافر، فجاءت عناوين الدراسات فيه معبّرة عن شغف كبير بهذا الفن، من مثل "قراءة دلالية في قصة "أيها الكرز المنسي"، وخطاب القصة القصيرة في مجموعة "رفرفة" للقاصة العمانية بشرى خلفان، وصورة الأنثى وحضورها في القصة القصيرة العمانية وأفق التحولات. أم الباب الثاني من الكتاب "النقد والثقافة" فقد جاء في تنويعات أضفت على الكتاب طباع الموسوعية التي لا تفتقر إلى عمق النظرة واتساع الأفق، فكانت عناوين من مثل "الثقافة أم خديعة الأمل؟" و" في ثقافة الصورة" و "الدراما الخليجية وواقع الأسرة المتغير" وغيرها من المقالات التي تتسع لقضايا النقد والثقافة معا.
قريبا جدا سأصير يتيما، لن يترك أبي شيئا عدا حماره هذا، ونخيلا بعيدة في أرض بيت المال، سنعيش أنا وأمي وحيدين في بيت لا نملك له ملكيّة، ظل يحدثني أنه لن يترك شيئا عدانا، يقول أنتما ريحانتاي، أنا كنزه الوحيد، يريده عظيما قويا صلبا. لن أنساه، كان قد قال مرة: «أريدك كهذه الجبال»، أشّرت أصبع من يده اليمنى نحوها، كانت شامخة وقاسية، صلبة حمراء كدم الشهيد إذا جف على الأرض. «لا تنحن أبدا، حتى لو جاءك الموت افتح له قلبك، دعه يدخل مطمئنا ليوقف نبضاته، سترتد روحك إليه؛ لتنعشه في القبر، عش شامخا كهذه القمم التي جاورتنا الآن».