مطلب قهوته لم تقتصر على ذوي الشوارب واللحى فحسب بل تعداه ليصبح متعة نسوة صيفيات وشتويات يكثرون التردد على سوق مطرح فغدى يتقن التمييز بين من قذف بكعبها العالي مدنا بعيدة وبين من صيفتها رياح التغيير... يذرع أغلب أزقة السوق لكنه ذادرا ما يميل إلى سوق الظلام. وإذا حدث وانعطف ناحية تلك السكة التي تمثل سوقا داخل السوق تغير وجهه وتذمر وغدا صدره أضيق من ذلك الزقاق الذي تطبق الحوانيت على ضفتيه الملتويتين كسمكتي (علص) فوق حصيرة.
كادت سيارة الدفع الرباعي ذات الكبينة الواحدة أن تنغمس بنا في كثيب من الرمال حينا أخرجها حمدان من الشارع المرصوف بصورة مفاجئة بعد أن التفت متأخرا إلى الدرب المترب الذي يوصلنا إلى المكان المقصود. كان دربنا يكشف فضاء رحبا لا يقطع إبصار اتساعه بين الأرض والسماء سوى أشجار السمر المتناثرة بكثافة متباينة وكنت وسليمان نتراص على كرسي واحد مع السائق داخل سيارة (أبو شنب) كما يطيب للناس هنا تسميتها. ربع ساعة ونوصل عند الجماعة قال حمدان طالبا مني تحديدا تحمل هزات الطريق الممتلئ بالمطبات الرملية إدراكا منه بعدم تعودي على مثل هذه الطرق كسليمان رفيقه اللصيق.
بعد ذلك ظهر لي وجه امرأة، ما لبث أن انفرج عن صرخة تبعتها حركةٌ سريعة من يديها، مُفرجةً عن فتحة القبر؛ ثم عابثة بما يحيطني. خلعتْ لفاعها سريعاً وغطّتني به. حرّكت شفتيها في وجهي، لكني لم أقابلها سوى بتعبير بارد. طوتني، بخفة، فوق ظهرها. وكانت، بين الفينة والأخرى، تنظر إليَّ بمزيج من الفرح الساذج. فرح نزق وهي ترسل، بين كل لحظة وأخرى، صوتاً حاداً في الخراف حولها.
"يقفُ البشر عاجزين عن إدراك خفايا هذا الكون. ما نؤمن بصحَّته اليوم، قد لا يكون كذلك غدًا. إنَّ الخيال قد يصبح واقعًا، والواقع ربَّما لم يكن واقعًا أبدًا. هذه القصة من نسْج الخيال والذي لا عجب أن يكون حقيقةً في يوم من الأيّام".
هي لحظات مقتنصة من الذاكرة.. لا أدري كيف ولدت.. لكنها هكذا وجدتها تزاحم المخيلة فأودت أن أقذفها إلى الحياة.. أو الفضاء.. ربما كانت الحكاية ملقاة على طريق أو رصيف في مدن بعيدة تنتظر من ينتشلها.. أو كانت مندسة بين مقاعد في مقهي بعيد.. أو .. من أفواه المشردين والحوزين.. تناقلتها أفواه المشردين .. من رحم أزقة وشوارع ومدن.. تسكعت معها ذات نهار أو ذات يوم.
الليلة كان الوجع أكثر قدرة على نخر عظام ظهرها. كابدت حتى لا تصرخ. لا تريد أن يعلم أحد بهذا الالم الذي تعلم سببه! لو تنبه لها والدها لألصقها بالعار ولخبأتها والدتها تحت أغشية سميكة وخانقة. • ماذا بإمكانك أن تصنعي في هذا العالم؟ • أن أغمض عيني ولا أستيقظ !
الحياة فيها الكثير من الخفايا التي لا يعلمها إلا الله، وهناك أشياء يبدلها الله من حال إلى حال. الإنسان الصابر هو الذي سیكرمه الله مهما طال عليه الزمن وضعفت حيلته. يجب على الإنسان أن يتفكر في أصله الذي خلق منه، فالناس مهما كثرت أموالهم فهم سواسية في الخلقة مهما تعددت خصالهم وأوضاعهم، فالكل في هذه الدنيا مكمل الآخر.
"ونحن في رحاب عصر صاحب العصر والزمان "عج" أضع بين يديه.. هذا الجهد التاريخي المتواضع.. لثلة من الشباب الذين بذلوا مهجهم لخدمة الدين الحنيف.. كانوا ولا زالوا على هذا الدرب الشائك.. يتمنون مشاركة الإمام "عج" في صناعة المجد الجديد.. والنور الساطع الذي ينتظرونه بفارغ الصبر.. وهم ثكلى وغرقى.. ثكلى بالواقع الأليم وما يحويه من جراحات علت سطح الأرض من أقصاه إلى أدناه.. وغرقى بالدموع التي ملأت مآقيهم حتى جرحتها وسالت بدل الدموع دم عبيطا.." المقدمة الأولى عبدالحسين محمد حسن جعفر
مزق أنا والليل يفرش لي عباءته.. استرح والنفس حبلى بالهزائم لا شمس تؤويني ولا نور يستر سوءتي لا ريح تطفئ نار عصياني وتكنس ما تبعثر من حماقاتي وزلاتي وأكوام الشتائم إني وأدت کرامتي بيدي واغتلت الحمائم
شعرت بشيء من هذا وأنا أكتب مواضيع هذا الكتاب، فلم أكن أرغب في كتابة مقالات أدبية وفقا لمقاييسها المعروفة، وإن كنت قريبا منها إلى درجة كبيرة. ولم يكن في ذهني كتابة نصوص مفتوحة كالتي يكتبها الكثيرون. وإنما سعيت لأكون قريبا من ذلك كله، ساعيا لإنتاج نص أدبي في قالب مقالي يتسم بالتنوع والثراء، إلى جانب اللغة الأدبية، مستعينا بما تيسر لدي من حصيلة معرفية من خلال المطالعة، بالإضافة إلى الاستفادة من مختلف المصادر المتاحة، بغية كتابة مواضيع تحقق جزءا كبيرا من المتعة القرائية لدى القارئ، كتلك المتعة التي يجدها في نص شعري أو عمل سردي أو غيره. من هنا يقترح عنوان الكتاب عنصر المسرة لدى القارئ، وإن لم تكن جميع المواضيع ذات طبيعة مبهجة. تضمن الكتاب أحد عشر موضوعا، كلها تبدأ عناونيها بكلمة (عن)، لتصبح هذه العنعنة "مجازا"، بمنزلة العتبة الأولى للدخول إلى فضاءات النص.
إن إعادة الاعتبار لقصيدة الإمام سعيد بن أحمد؛ (يامن هواه)، ونسبها لقائلها، هدف جعلته الباحثة شيخة الفجرية منطلقا لها عند قراءة التجربة الشعرية العمانية، وفق المنهج التاريخي، ملقية الضوء على تعدد المدارس العمانية الشعرية، وقامت بتحليل النص على المستوى الدلالي، والصوتي، والتركيبي للقصيدة، والصورة والانزياح، لكنها لم تتوقف عنده طويلا، عندما اختارت أن تدرس "ثنائية الشعر والنثر في الحداثة الشعرية العمانية"، بل سرعان ماتجاوزته، بعد أن أعطت النص مايستحق من الدراسة، والتحليل، لتجعل بحثها مناسبة لتتبع الشعر العماني عبر العصور، والتعريف بأبرز شعرائه عبر التاريخ، وصولا إلى العصر الحديث، وقصيدة التفعيلة، ودخول منطقة الحداثة، ووضعها في النثر، والشعر ضمن سياقهما الصحيح، دون انفصال كلمة الحداثة عن سياقها التاريخي.