رحلات عديدة.. وأسفار كثيرة تتزاحم في جواز سفري.. من آسيا إلى افريقيا وأوروبا وأميركا.. وفي كل زيارة ثمة مدينة معشوقة تسكن ناصية القلب، وت تربع على عرشه، كلما وجدت مدينة عشيقة، قلت هذه حبي، وحينها أزور أخرى، أقول: هذه عشقي.. هذه أكبر. مدن وعواصم لا يجمعها أكثر من عشق مسافر يمم في مرته الأولى جهة الشطر العربي، وجال حياض الحنين إلى تاريخ سلف، وذاكرة تاهت مع حكايا أخرى.
في مساء قائض من مساءات عام 1984 كنت أرقب حركة طائرة تحلق في سماء قرية شيدة، القرية المستكينة بهدوء ودعة أسفل سفوح ثلاثة جبال شاهقة، أين يمكن أن تذهب هذه الطائرة في مساء مسكون بحكايات السحرة والمغيبين وأصوات هوام الليل التي يتردد صداها في هذا السكون الموحش.
هكذا فجأة، استيقظت لأجد نفسي أمشي في شوارع رام الله، وأجوب الخليل ونابلس وبيت لحم. وفي صور أخرى أقف عند قبة الصخرة وأصلي في بيت المقدس، وهنا في صورة ثالثة عند منبر صلاح الدين الأيوبي داخل الحرم الإبراهيمي، وأقطف الزيتون، وأعيش حصار أبودیس، وطلقات الرصاص، وتهجير شعب من وطنه، واستفزاز المستعمرين، وقطع الطريق، وأقف عند الحواجز، بغية الوصول إلى الجهة الأخرى من المدينة. كل هذا الوجع، لا يساوي شيئا، أمام فرحة أم بخروج ابنها الأسير بعد ثلاثين عاما من الإذلال في زنازين الاحتلال، أمام رقصة فرح تشعر فيها أنك إنسان آخر، غير الذي تعرفه. أطلق ساقي للريح، أحاول أن أهرب من واقعي، فاصطدم بمرارته في غدي الآتي.. فالأم التي فرحت بعودة ابنها الأسير، اكتشفت أنها وقريتها، تعيشان في الأسر، وتقبع في سجن بداخله سجن أكبر.
في البداية لم يكن في الحي سوى كلبة واحدة نادرا ما يسمعنباحها، إلى أن رأت كلباً مصادفة و أخذت تنبحو تهز ذيلها بشكل متواصل، أصبحا صديقين يشتركان في النباح، تجمعت كلاب كثيرة في الحي و شاركتهما في حفلاتهما الليلية المتواصلة، جاءت ليلة لم يسمع قاطنو الحي نباحاً ، تيقنوا أن في الأمر سوءاً!
شيء غريب يقترب مني، يخرج من الظلام، لا أميزه، جسده كالثور، أذناه مشعرتان، عيناه صغيرتان كعيني قط.. وهو يقترب مني كثيرًا، وأنا أرتعد.. أتصبَّب عرقًا؛ إنه.. لا، لا، أرجوك، لا تقترب مني، انظر إلى الخلف، يا إلهي!، هاوية سحيقة تحتي.. وهو يقترب مني، يد كبيرة تخرج من فمه، تنتزع لساني، يسحبها حتى تتدلَّى على صدري. دم أحمر متخثر يخرج من أنفي؛ إنه.. يسلخ جلدة رأسي.. آآآه. حلقي يتشقق. يغرس أظافره في محجري عينيَّ، يخرجهما.. أسحب جسدي إلى الخلف.. آآه، إني أسقط. يرتطم رأسي بحجر كبير، وأنا ما زلت أسقط، أسقط.. آآآآه، بلا نهاية، أحس أني سأرتطم بالأرض... سأرتــــ ط ... آآآآآآآآه ...
نودي في مدن المملكة وسائر قراها، أن الملك يطلب الفقراء جميعا إلى ساحة قصره الغداة كي يحل مشكلتهم، وقد صدع بهذا النداء المهول في كل ركن وناحية من كل حي، حتى تأكد المنادون أن مامن طير في عشه، ولا حجر أصم في موضعه، فاته خبر الدعوة.
"هذه الرواية التي تحكي عن أحداث ومواقف عاصرنا حقيقتها المرة التي نسمع عنها بين فترة وأخرى، قد تختلف القصص وتختلف المواقف وتختلف الاحداث ، أحببت أن أسلط الضوء على العادات والتقاليد، والحب الصادق النقي، وكيف تحكم العادات الحب وتقتله، قد تكثر علي الانتقادات، ولكني حاولت قدر الامكان أن أسرد القصة الحقيقية بكل جوانبها مهما تلقيت من نقد، قل من يكتب الحقيقة، وهنا أنا مؤمن بنقل الحقيقة بحذافيرها"
على الرغم من أن الإحصاء أداة خطيرة في يد الناقد الأدبي، وقد يفضي سوء استخدامه قصدا أو عفوا إلى تشويه الحقائق وتضليل طالبيها، وعلى الرغم من أن دخوله ميدان الأدب حديث نسبيا، وما تزال العديد من مناهجه وأدواته المقترحة في طور التجريب، فإن هذه الصعوبات لم تحل بين الباحث ومحاولة اختباره، واستكشاف حجم عطاءاته في النقد الأدبي، لاعتبارات عدة يأتي في مقدمتها إحساس شخصي متنام يوما بعد يوم بما يعانيه هذا الأخير من مشكلة عدم انضباط منهجي وقصور في أدوات البحث الموضوعية تجعل المشتغلين به يدورون في حلقات مفرغة، فما يتصورون أنفسهم حلوا مشكلة ما حتى يفاجؤوا بإعادة طرحها من جديد، على نحو تبرز فيه ظاهرة الاجترار والتكرار، والتورط في جدالات مزمنة غير قابلة للحسم. في هذه الأطروحة نجتهد في مقاربة الأسلوبية الإحصائية، على نحو نأمل أن يمكننا من تمثل فلسفتها وفرضياتها الأساسية، واستيعاب مناهجها وأدواتها الإجرائية، وامتلاك القدرة على تطبيقها التطبيق المناسب الذي يرضي أصحابها والداعين إليها، في محاولة لاستكشاف الإمكانات التي توفرها للناقد الأدبي، واختبار قدرتها على تحقيق هدفها الأساسي وهو تقريب النقد من العلم.
ما الدّاعي إلى تناول ثلاثة تجارب مسرحية متباينة في كتاب واحدة ما الذي يجمع بينها؟ وما الذي يجعلها متفرقة وقابلة للجمع في آن معا؟ الكل كاتب أسلوبه الذي يكتب به، كما أن لكل مخرج طريقة. فلماذا كتب محمد الشنفري مسرحيتيه بذلك الأسلوب؟ ولم يكتب مثله بدر الحمداني؟ ولماذا لم يخرج محمد خلفان "قرن الجارية" كما أخرج الشنفري مسرحية "مليونير بالوهم"؟ فلأننا في الحقيقة، لا نملك القرار، لنلزم أحدا أن يكون مقلدا للثاني. آمل أن أكون قد أجبت على السؤال الذي افتتحت به هذا التقديم المقتضب، أخذ يتضح لكم أن دوافع اختياري لهؤلاء الكتاب الثلاثة معا نابع من غرض جمالي إبداعي بالمسرح، وهو انشغال عندي مشدود إلى أفكار جيل من الشباب المسرحي في عمان، ينعقد عليهم التنوير والتطوير.
يقدم هذا الكتاب دراسات تطبيقية في مجموعة من الروايات العمانية الحديثة التي يشكل بعضها إضافة نوعية، لا إلى الأدب العماني فقط، بل إلى الرواية العربية. وهذا يدل دلالة ناصعة، على أن الرواية في عمان حرقت كثيرا من المراحل، ووصلت إلى شكل مقبول، وقابل للتطور في ظل تراكم فني مأمول; حيث صار بالإمكان أن نقرر أن الحكاية لم تعد، وحدها، الشغل الشاغل للروائي العماني، وأن سؤال كيفية تقديمها صار الهاجس. وقد تجلى ذلك، كما سيلاحظ القارئ من خلال النماذج المطروحة في التعامل مع عناصر السرد كافة.
«امسِكْ بيدي جيداً ثم اغمضْ عينيك، ولا تفتحهما أبداً حتى أخبرك»، ثم رسم خطّاً بقدمهِ على الأرض قائلاً: «عندما تتخطّى هذا الخط نَفّذْ ما أخبرتُك به، هل فهمت؟»، قال راشد: «نعم». قدّم راشد رجْله اليمنى ولم يشعر بنفسه إلّا وقد أصبح في بلاد أخرى.
تهرب غزالة ـ بعد صدمة الاختفاء المباغت لأختها بالرضاعة آسية ـ من تلك القرية المندسَّة بين جبال عُمان إلى عشق عازف الكمان صاحب الأنامل المُرهفة والطبع الحالم. لكنّ الظلال تبتلع العازف لتجد غزالة نفسها وسط تقاطع المصائر العجيبة... جوخة الحارثي: كاتبة وأكاديمية من سلطنة عُمان، صدرت لها عن دار الآداب «سيِّدات القمر» (جائزة بوكر العالميّة لعام 2019) و«نارنجة» (جائزة السلطان قابوس للرواية لعام 2017).