انبعثت في الباص عاصفة هوجاء من الضحك والسعال. التفت فشاهدت الشخص السمين الجالس في المقعد الأمامي يهتز من كثرة الضحك. في الأمام وقف الرجل الأعمى وأخذ يضحك بشكل هستيري، ثم تقدم خطوتين وسقط، فيما أنا أغوص بجسدي كله في المقعد، كان الشخصان الكبيران في السن يضحكان بقوة، بينما المكان كله كان يهتز من كثر الضحك، أخرجت منديلا أمسح به دموعي فيما راح الباص يغوص في لجة من الأضواء الساطعة والضحك يتعالى منه وينتشر في كل الأرجاء.
كان منزل الدكتورة هدى يطل على البحر مباشرة، لا يفصله عنه سوى عدة أمتار وساتر إسمنتي، وبعدها يأتي ذلك الممشى الجميل الأنيق الذي تحيط به أشجار القرم من كل جانب. لذلك يكون مزدحما طوال شهور الصيف القائضة، وهذا الممشى المكان المفضل لممارسة الرياضة، خاصة المساء بين أحضان أشجار القرم وغروب الشمس ورائحة البحر؛ لذلك أطلق عليه شاطئ العشاق.
ومثل حبي لِذَينك العجوزين — عجوز الحانة في مسقط وعجوز الحانة في رواية خورخي أمادو — أحبك كما أحب الأطفال (خاصة أولئك الذين لا أعرفهم، ولا يَمُتُّون لي بقربى أو صلة، أو أعرف في لحظة رؤيتهم أني لن أراهم بعد ذلك أبداً). ما من حُبٍّ أعظم من ذاك الذي يُرِيقُ المرء نفسه فيه بالكامل من دون أن ينتظر أدنى مقابل. وأحبك أيضاً كما يحب الأطفال الحصون العتيدة، والقلاع الرملية الحصينة، والخنادق الدفاعية العميقة، وأبراج المراقبة العالية التي شيدوها برمال الشاطىء المبتلة، وسيشيدونها طوال عمر کامل من حرج، وموج، وغرق، وعواصف، وأنبياء لم يتوافروا على أقدار نوح. أحبهم وهم يبنون مملكة عند البحر. وأحبك كذلك كما يحبون البحر؛ وأحبك كما البحر يمحو.
غضب مسعود حتى بدأت يداه ترتجف. لقد كانوا على بعد أمتار قليلة من دخول جنة من جنان الله هنا. لقد كانت يد الله ترعاهم. أخرج إبليس آدم من الجنة، وهذا الملعون مثله أخرج أبناء آدم من الجنة أيضا. تتلألأ دموع عصية النزول في عيني مسعود. يحاذون حجر إسماعيل. كل الذي كان يردده مسعود: لقد رأيتك مرة واحدة فقط، ولم يقدرك حق قدرك أحد...
تلتقي رفيف الطائي قراء زواياها الخفية لتقول لهم بوضوح أنها لا تعنى بما هو خفي ومستتر في تلك الزوايا، حيث لا تعرف الشمس إليها سبيلا، بل لتلقي بضع الضوء على ما يمكنه أن يكون شموعا في أعماقنا تترقب اليد التي تمتد إليها، وفي عتمتنا لا نتبينها لأننا نكون مشغولين بالظلمة لا بالنور، وكم في داخلنا من أنوار تترقب أن تجد فرصتها لتشتعل حيوية. فتصنع حياة عامرة بالمحبة والسلام. مقالات معجونة بتجارب الحياة، ألقت عليها الشمس بكثير من الضوء، وحينما يكمل قارىء "زوایا خفية" عبورها يمكنه أن يجد الكثير من الحب والسلام والأمان والإيجابية ليستمر سائرا على الدرب بثقة، لأنه سیزداد فهما لذاته، ومقتربا من فهم الآخرين بما يكفي ليستوعبهم على أنهم أشقاؤه في حياة ليست مليئة بالورود حتما.. ولكن، وإن كان بها الكثير من الأشواك، علينا أن نصنع عبقنا.
”بدرية الشحي هي أول إمرأة عمانية تكتب الرواية بمفهومها الفني والحرفي بل يمكننا القول أن رواية( الطواف حيث الجمر) هي العمل الروائي العماني الأول بالمفهوم الأدبي الإحترافي.” فاطمة الزهراء حسن شبكة أخبار المستقبل، 2013 “الرواية برمتها تطرح سؤالاً يتعلق بطبيعة الوجود العُماني في شرق أفريقيا: هل كان فتحاً أم غزواً؟ وهو سؤال له مغزاه، ويجيب عنه المكان ( أرض أفريقيا) بما يقع عليه من أحداث تنطوى على دلالات.” آسيه البوعلي المدونة،2011 ” الطواف حيث الجمر هي أول رواية لكاتبة عمانية. هي قصة كفاح امرأة للوصول إلى حبيبها الذي هاجر من عُمان إلى زنجبار، وبلغها أنه تزوج من إفريقية، وبدافع من الغيرة والتحدي للغريمة تكسر البطلة الأعراف العربية التقليدية وتسافر إلى تلك البلاد الغريبة بحثا عن حبيبها.” محمد ولد محمد سالم جريدة الخليج، يونيو2010 ” الرواية تزخر بتصوير الأماكن ووصفها وصفا دقيقا يجعل القارئ يشعر بأنه لا يقرأ مجرد كلمات وإنما يعايش مقيتة أحداث مقترعة بأماكن حدثت فيها.” شريفة اليحيائي مجلة نزوى، 2000
في عتمة ذلك الليل المرير کمرارة العدم أفقت في الربع الأخير من الليل، وجلست حائرا أمام موقد النار وبدأت أنبش جمراته الموغلة في الرماد، عساني أجد واحدة تضيئ لي أطراف هذا المكان المظلم، فالكل نائمون، بينما النوم لم يعد يجد طريقه إلى عيني أمام الظروف التي تواجهني صباح مساء، لقد عافت نفسي الراحة منذ أعوام، فالديون تتراكم وتجار المدينة يطالبون بحقوقهم، والمواشي تنفق من توالي السنوات العجاف، والخريف لم تعد تمطر سحائبه طوال ثلاث سنوات، فجفت عيون المياه وزادت الصراعات بين الناس على الماء والكلاء، والثوار بدأوا يخوضون نضالهم في الجنوب، فبدت لي الأرض شاحبة تفوح منها رائحة الموت.
من وحي الذاكرة (ظفار .. الإلهام الأبدي) سلسلة من الذكريات الجميلة كجمال ظفار في كل الفصول لكنها لا تخلو من المرارة أحيانا فهي تمثـل مسرح لكفاح لا ينتهي، تحدي لكل ما هو مألوف في ذلك الزمن، أشخاصها حقيقيون، وأمكنتها شاخصة إلى اليوم، وأبطالها رجال ونساء عاشوا في زمن الحرمان لكنهم يملكون قدرة عظيمة على الصفح والغفران. هي نافذة على عصر التغير في محافظة ظفار إبان تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم طيب الله ثراه مقاليد الحكم في البلاد، وعلى الخطوات الأولى للتعليم التي بدأت من خيام معسكرات قوات الفرق الوطنية في وقت كانت فيه المعارك محتدمة بين الجيش السلطاني العماني وبين ثوار ظفار.
في زمن سيطر عليه الفقر والمرض، ترك دلشاد ابنته الوحيدة لمصيرها، وكان عليها أن تجد طريقها في عالم من الأطماع تحكمه ذاكرة الجوع. رواية تشعرك بوخز الجوع في كلماتها، تتحسس جسدك الذي بدأ يضمر وينهلّ بحثا عن لقمة هنا ولقمة هناك، عن الغياب الذي يأخذ شخوص الرواية نحو الموت أحيانا أو نحو حياة أخرى وتجربة جوع آخر. أكاد أرى وجه دلشاد الضاحك من الألم والفقد والجوع والضياع، أكاد أبحث معه عما يسكت فيه ذلك الفم الجائع. هذه الرواية، الحياة، هذه اللعبة الخطيرة ما إن تبدأ حتى يجرفك سيل مآسيها لتبكي وتضحك وتشم روائح الموت والفقر، ثم تترك التيار يأخذك إلى دروب يرسمها القدر لشخصياتها.
تأتى مساءلة قصيدة النّثر العُمانية من منطلق رؤية التّداخل بين الشّعرى والسّردي فيها، وهو في حقيقة الأمر مساءلة نقدية لحضور الشّعرية بوجه عام، شعرية تتماهى فيها القصيدة العُمانية مع حركية القصيدة العربية وتطورها مشحونة برؤى الحياة، وخلخلة القيم المتوارثة مع نسيج السّياق الثّقافي العربي؛ هكذا تتناسل القصيدة العُمانية، وتتجدد مع عاصفة تغير بُنى القصيدة، واختراق بنائها بشكل عام، وإعادة بناء قوامها بحلية جديدة تحكمها علاقة داخلية تمثّلت بالذّات المتشظية مع نفسها، وأخرى خارجيةً بتفاعلها مع المحيط حولها بما هو معرفي وثقافي وإنساني ووجودي؛ وبهذا استطاعت القصيدة العُمانية على غرار القصيدة العربية تحطيم الثّوابت، وإعادة بناء خصائصها الفنية، وإنتاج ثيماتها الموضوعاتية التي تتسق مع الحياة الجديدة بما فيها من كينونةٍ شعريةٍ; ومرتكزات نقدية.
ما أنتم بصدد قراءته هو صورة اجتماعية تاريخية جغرافية لحياة عاشها بطل هذه الصورة بين سلطنة عمان وأفريقيا ومجموعة من دول شبه الجزيرة العربية. وتدور أحداثها في الربع الثاني والثالث من القرن العشرين، في زمن كانت ترسمه جغرافية المكان بين سهول عمان وغابات أفريقيا وصحاري شبه الجزيرة العربية، كما تمسك بمقوده کیانات متصارعة ودول ناشئة، تستبدل ثوبا ألبسها إياه الاستعمار برداء لم يحكم نسيجه فبدت ألوانه مبعثرة.