بعد سنين كثيرة، وبينما أنا أفتح باب البيت خارجاً منه، سطعت الرائحة في المكان، اكتظت فيه، شعرت وكأن هناك من أحرق كثيراً من البخور حتى تكثف في الهواء، كانت هناك، تقف تحت السدرة وتنظر إليّ، فتاة في مثل عمري، تلبس ثوباً تقليدياً ملوناً، وضعت يدها على خصرها، واتكأت بالأخرى على السدرة، وهي تنظر إلي، والمكان يعبق بتلك الرائحة، ركضت داخلاً إلى البيت، لأخبر أمي بالقصة، سحبتها من يدها حتى ترى رفيقتي أخيراً ..
إذا كان المكان -بالمعنى الفيزيقي- هو تلك الأمكنة المتعددة التي تحيط بالذات الإنسانية في حياتها العامة، فإن اللغة في الكتابة الأدبية ستحول المكان من وصفه هذا إلى نظام من أنظمة المعطيات المحسوسة التي ستشكل النص الأدبي وتحدد معالمه وعلاقاته من خلال تحويل العالم إلى أنساق لغوية وميتالغوية، ولذلك فإن السيميائيات (Semiotics) مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعمليات الإدراك التي تقود الذات إلى الخروج من ذاته لينتشي بها داخل عالم مصنوع من ماديات قد يجهل عنها كل شيء، وفي هذا المجال يقترح بورس (Charles Sanders Peirce) رؤية فينومينولوجية للإدراك ترى في كل الأفعال الصادرة عن الإنسان سيرورة بالغة التركيب والتداخل، ولذلك فإن العالم خارجنا ليس هو العالم الذي يرى في الواقع الحقيقي بل العالم المرئي من منظور استرجاع وتذكر.
إنّ السيميائية تكشف الدلالات في حياتنا الاجتماعية التي تعيش ضمنها كما تنبّأ بها اللغوي فيرديناند دو دوسوسير صاحب كتاب «محاضرات في الألسنية العامة»، لذا فإنّ العلامات مرتبطة بحياة الإنسان الذي هو في الأصل (علامة)، يصنعها ويبتكرها، ويحملها المعاني والدلالات، فكل ما حولنا من علامات لها أدوار اجتماعية وثقافية بل وأيديولوجية. إنها ليست بريئة كما تبدو في الظاهر.
إن هذه الدراسة تعمد إلى دراسة العلامات الإشارية وتحليلها بوصفها علامات مؤثرة في التواصل اللغوي من خلال تعانقها مع العلامات اللسانية من جهة ومع السياقات المقامية والنظائر والقرائن الإشارية من جهة أخرى، بل واعتماد العملية التواصلية على هذه العلامات الإشارية وحدها في بعض مستوياته أو سياقاته، ليصل إلى الدور الذي تقوم به هذه العلامات الإشارية في إنتاج دلالات ومعان متنوعة ناتجة من منظومة التكوين اللغوية والسياقية للنص.
الـذي رأيـتـه يـا صديقـي يسـمى «الدفـن السماوي». الشعب التبتـي يؤمـن بـأن أجسـاد البشر لا قيمـة لهـا بعـد خروج الـروح منهـا، ويجـب أن يكـون الجسـد مفيـدا لروحـه، فيتـم إطعامها للطيـور الجارحـة؛ لأنهـا قـادرة على التحليق عاليا في أرجاء السماوات؛ ليصبح الجسـد قريبـا مـن الـروح. التبتيـون لهـم أيضـا معتقدات تخـص الخلـود والـروح الطيبـة وتلـك الشريرة، والمكان الذي نسعى للوصـول إليـه؛ أعنـي جبال الهملايا التي لها قدسية عظيمة لدى التبتيين وعموم البوذيين. فاجأ ريغو رفيقه بعبارة غير متوقعة: أراك مؤمنا بهذه السخافات يا مارك!، أدار مارك وجهه عن صديقه ليسترسل في الرد: لا، لسـتُ كذلك، لكـن علينـا أن نحترم ثقافـات الآخريـن، نـحـن أيضـا نؤمـن بالبعث، وهو في حد ذاته بداية لحياة الخلود.
إنَّ هذا العمل "عبارة عن تطواف لفكر هؤلاء المفكرين والأكاديميين والباحثين في القراءة لمؤلفاتهم، كما تحدث عنهم الباحث في هذا الإصدار؛ من خلال اللقاءات الشخصية والحوارات الفكرية مع بعضهم، التي استدعت ذلك". ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "من خلال قراءاتي ومتابعاتي لمؤلفاتهم، فكرت في عمل قراءة لبعض ما كتبوه من آراء وأفكار، بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي معهم فكريًّا، لكنَّ رغبتي في التعرف على هؤلاء المفكرين، ومناقشة أفكارهم وأطروحاتهم، وأيضًا إبراز اختلافاتهم الفكرية بين بعضهم البعض.
عند تلك التلة وقد بدأ الليل يغطي المكان بسواده وينشر قتامته. أبصر الزير وهوي خيمته -والتي اعتاد أن يقضي فيها أياما يرسم فيها نزهته مبتعدا عن مضارب قبيلته- رجلا يسوق خيله على عجل وكأنها عجزت من كثر عدوها عن تحديد الطريق ورسم معالم الهدف الذي جاءت من أجله. وحين اقترب منه كانت معالم التوتر والخوف ترسم على ناصية ذلك الرجل أشبه بقصة بلا كلمات وإنما علامات استفهام ونظرات تنظر للأعلى والأسفل.
يشتمل هذا الكتاب على مجموعة من الدراسات المتنوعة التي تعرض للأدب العماني السردي المعاصر، بنحو تطبيقي تحليلي، يهدف إلى مقاربة تجليات من نصوص هذا الأدب، في مجالي القصة القصيرة والرواية الخاصة. ولا تهدف هذه الدراسات إلى التأريخ للسرد العماني، ولا إلى دراسة تياراته وإتجاهاته والأسماء البارزة فيه، فهذا كله ليس مجالها، وإنما مجالها أن تتناول قضايا وموضوعات معيّنة برزت في القصة والرواية العمانيتين، فتدرسها من جوانبها المختلفة.
تهدف الدراسات التي يشتمل عليها هذا الكتاب إلى مقاربة نصوص شعرية، قديمة وحديثة، من منطلق "النَّقد النَّصي" الذي يهتم، في المقام الأول، بمسألة الإجراء في تحليل النصوص الأدبية. تتناول الدراسة الأولى قصيدة للصنوبري في رثاء ابنته، والثانية قصيدة للشريف الرضي، وتدرس الثالثة ديواني خليل حاوي "نهر الرماد" و"الناي والريح"، والدراسة الأخيرة تتعلق بالفاعلية التي تتسم بها أدوات الإستفهام في ديوان "أجنحة النهار" للشاعر العماني المعاصر سعيد الصقلاوي.
تحاول هذه الدراسة أن تراجع مصادر العلوم البلاغية (المعاني والبيان والبديع) في التراثين العربي والفارسي، من منظور مقارن، يسعى إلى الإجابة عن السؤال المهم الآتي: هل كانت المصادر البلاغية الفارسية متكئة فعلا اتكاء تاما على مثيلاتها العربية، مثلما ذكر جمع من الباحثين؟ وهي في مسعاها نحو الإجابة تعرض لتاريخية المقارنة بين البلاغتين العربية والفارسية، وتعرف القارئ العربي تفصيلا بأهم مصادر البلاغة الفارسية، وتتوسع في دراسة علاقات التأثير والتأثر، ثم تختم بالوقوف على أهم القضايا الإشكالية المثارة في المصادر البلاغية المؤلفة باللغتين.
هذا الكتاب نافذة للقارئ العربي، تعينه على الاطلاع على نماذج مختارة ومترجمة من القصة القصيرة الفارسية الحديثة، تمثل الأجيال المختلفة من الكتاب الإيرانيين الذين تعاقبوا على كتابتها وأسهموا في إيصالها إلى ما وصلت إليه اليوم. وقد سعى مختارها ومترجمها من لغتها الأصلية ـوهو أكاديمي من جامعة السلطان قابوس بمسقط ـ إلى المحافظة قدر الإمكان على الخصائص الأسلوبية الفارقة بين كل كاتب وآخر بغية تمكين القارئ من الاقتراب أكبر قدر ممكن من القصص الأصلية.