عذرا، هذا المنتج لم يعد متوفرا في المخزن

سارق المنشار

بدأت قصة عملي في الإذاعة العمانية عام 1977، عندما أخذني قريبي ماجد بن سعيد المحروقي للعمل فيها في فترة الصيف، ولم أكن أدري أنّ فترة عملي ستمتد حتى هذه اللحظة، حيث مرّت أربعون سنة؛ وهي عمر طويل، شهد أحداثاً تاريخية على الصعيديْن العربي والعالمي، ليس أولها زيارة السادات للقدس بعد أشهر قليلة فقط من توظفي، ولا آخرها تولي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأمريكية، مثيراً فزع الكثيرين. وخلال هذه السنين الأربعين زاملتُ الكثيرين، منهم من واصل معي إلى اليوم، ومنهم من اختار طريقاً آخر. منهم من أصبح مسؤولاً كبيراً في الدولة، ومنهم من انتقل إلى رحمة الله. كانت الإذاعة بالنسبة لي بيتاً أولاً في بادئ الأمر، ثم ثانياً بعد ذلك.
كود المخزن: 36
4.000 ر.ع.‏

بدأت قصة عملي في الإذاعة العمانية عام 1977، عندما أخذني قريبي ماجد بن سعيد المحروقي للعمل فيها في فترة الصيف، ولم أكن أدري أنّ فترة عملي ستمتد حتى هذه اللحظة، حيث مرّت أربعون سنة؛ وهي عمر طويل، شهد أحداثاً تاريخية على الصعيديْن العربي والعالمي، ليس أولها زيارة السادات للقدس بعد أشهر قليلة فقط من توظفي، ولا آخرها تولي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأمريكية، مثيراً فزع الكثيرين. وخلال هذه السنين الأربعين زاملتُ الكثيرين، منهم من واصل معي إلى اليوم، ومنهم من اختار طريقاً آخر. منهم من أصبح مسؤولاً كبيراً في الدولة، ومنهم من انتقل إلى رحمة الله. كانت الإذاعة بالنسبة لي بيتاً أولاً في بادئ الأمر، ثم ثانياً بعد ذلك. وكانت صورة مصغرة من المجتمع؛ ففيها المثقف والسطحي، الذكي والغبي، الصادق والمدّعي، الطيّب والخبيث، النقي والحاسد وغيرها من الأصناف التي يزخر بها أيُّ مجتمع. أما أنا فلا بد أن أكون قد حملتُ صفة أو أكثر من تلك الصفات، ولأنه لا يصح أن أحكم على نفسي فسأترك الحكم للآخرين. ولطالما رددتُ أمام زميلي سليمان المعمري أنّ أمامك في هذه الإذاعة منجماً من الشخصيات الروائية وعليك أن تستغلها في أعمالك الأدبية، حتى استجاب في روايته “الذي لا يحب جمال عبد الناصر”، واستطاع أن يلتقط عدداً من هذه الشخصيات، بعد أن أجرى لها الصهر اللازم الذي حوّلها من شخصيات واقعية أعايشُها كلَّ يوم إلى شخصيات أدبية بالكاد يستطع المرء القبض فيها على تلك الشعرة الرقيقة بين الواقع والخيال؛ وقد قال لي مرة الزميل المذيع سعيد بن مهنا العميري إنه في قراءته للرواية كان يحاول أن يفك طلاسم الشخصيات ويربطها بالواقع. ولكن ما فعله سليمان في روايته لا أستطيع أن أفعله أنا في هذا الكتاب، فأنا لا أكتب أدباً خياليّاً هنا لأضيف له من خيالي أو أحذف، بل ذكريات واقعية عايشتها لحظة بلحظة. ولذا فعلى القارئ ألا يندهش إن رآني ركَّزت على إيجابيات من عاشرتُهم من الزملاء، دون تناول السلبيات إلا بإشارات بعيدة دون أن تمس الأشخاص. وهذه عموماً طريقة ليست بالجديدة في كتابة المذكرات أو اليوميات، فقد فعلها كثيرون قبلي، منهم المفكر المصري جلال أمين في سيرته الذاتية، إذ سمى الأشخاص بأسمائهم عندما كان الحديث إطراءً على هؤلاء، وذكر الموضوع دون الإشارة إلى الأسماء عندما كان الحديث نقداً أو ذمّاً.

الكاتب: زاهر المحروقي