هل تخيلت يوماً أن بإمكانك أن تختار أفكارك ومعتقداتك، وبالتالي اختيار الحياة التي تناسبك؟ هل تعرف أن بتعلّمكَ لتقنيات جديدة في التفكير، تستطيع التعامل مع ضغوطات الحياة اليومية، وحل مشاكلك بشكل أفضل؟ نعم هذا ممكن، ولأنني أؤمن بقدرة الإنسان على التغيير والاختيار، شرعتُ بكتابة هذا الكتاب.
في البدء، نتعلم الكتابة والقراءة بخطوات بطيئة جداً، وبطريقة تدعو إلى الشفقة، حينما نتكلف كتابة حرف الضاد، ينتفض القلم بين حواف الإصبعين من الخوف لهذه المغامرة الكبرى، مغامرة لكونها التجربة الأولى لنا في قائمة التجارب، فما نراه اليوم تافهاً سهلاً بسيطاً، كان في مرحلة الطفولة جاداً وصعباً. ومن حسن الحظ، من رتب حروف الأبجدية في اللسان العربي، كان عربياً فصيحاً، ولو لم يكن كذلك، لما كان تسلسل الحروف الأبجدية كما هي عليه الآن؛ تسلسلاً يبدأ من السهل ثم يتصاعد قليلاً، ثم يعود سهلاً فصعباً حتى ينتهي سهلاً كما بدأ. ذلك الحصيف الفصيح الذي سَبَكَ الأبجدية العربية بدراية وإتقان، ما كان له أن يغفل من تناول السهل الفرد من الحروف ويبدأ به، لذلك بدأ بحرف الألف، ذلك الحرف المجرد من الزوائد والندوب، حرف يُشبه كل شيء، وأي شيء، ويمكن أن يتصوره أي متصور على أي هيئة وشكل، فالألف كالواحد، والألف المهموز كالمئذنة المهللة. فكل طفل عربي في الغالب بدأ من حيث بدأ كل طفل عربي آخر، بدأ أول تعاطيه مع الأبجدية بحرف الألف، ولكل طفل عربي قصة وحكاية تربط مع حروف الأبجدية في سنيه الأولى، ومع حرفي الألف والضاد على وجه الخصوص.
الأمة التي ابتلت أو أبلت نفسها بداء غيبوبة الوعي بسبب تقصيرها في حق نفسها، عليها على أقل تقدير تناول ترياق السؤال، السؤال عن كل شيء، وفي كل شيء، عليها أن تعيش حياة السؤال؛ لأن كل العلوم والأفكار والفلسفات جاءت من رحم السؤال، والسؤال المناسب المسقط على الواقع غير المناسب يفتح آفاقاً معرفيةً جديدةً وفضاءً واسعاً من الأجوبة، أجوبة كانت بعيدة عن وعينا قبل رمي حجر السؤال في بئر طمأنينة الركود الآسن. السؤال أول مختبر عرفته الإنسانية على الإطلاق، كان السؤال وما زال مجس الفلاسفة ومسبارهم، علينا إستخلاص الربح من فم الخسارة، علينا تحويل حجر العثرة، عثرة التمسك بالظنون (الحقائق) المسكونة في المعتاد والمقلد إلى حجر طلق وكسر، طلق نحو الأفق الأعلى، وكسر سقف الأفق المصطنع جراء الظنون والأوهام المتراكمة على النفس والفكر، لا سيما وإن من طبيعة الأوهام في فترة غياب الوعي النمو والزيادة، ومن أخطر الأوهام على الإنسان وهم إعتقاده أنه بلا أواهم... عاتق المسؤولية ملتقى على كاهل الجميع، على كاهل كل المجتمعات العربية بمشرقها ومغربها، ولا يتأتى ذلك إلا بعد إعادة تدوير فوهة الوعي العربي، وعلى الناصح في هذه المجتمعات قلب أوعية الوعي إلى أصولها المفروضة، قبل أن يُلقي في روع مجتمعه النصح والإرشاد، فالكأس مقلوبة الفوهة لا تمتلئ بالمال وإن طُرح فيها نيل مصر والنيلين (دجلة والفرات)، أما الكأس شامخة الفوهة فقطرة من غيث السماء تملأها...
عندما نتحدث عن "اللاوجود" فإننا نتحدث عن كيان في النص الشعري؛ يأخذ حيز الممكنات من جهة علاقات الإرجاع، ومن جهة اعتباره "جوهرا" في مواجهة الذات؛ لا يمكن لها أن تحدد سماته دون أن تتخذ الذات سلبيتها لتفسح المجال لإمكانه؛ وهو أمر يفتح العلائق أمام عالم المعنى في مواجهة عالم الأشياء؛ لذا فإن الدراسة حاولت استشفاف هذا الجانب في التجربة الشعرية وقدمت مقاربة تأويلية في سبيلها دون أن تدعي لنفسها التفرد أو النهائية؛ فـ"التجربة الشعرية" نوع من التجاوز العالم الشاهد إلى الغائب، والموت فيها هو استدعاء لموجودات العالم الميتافيزيقي في تبديها المادي، ولكن المعنى لا ينكشف بهذا التبدي إلا بتجاوز الذات، وتوسلها باللسان، وكأن الذات الشاعرة في حالة من حالات الإلهام الصوفي المتحد بروح الأشياء.
"لا دين بدون سياسة، ولا سياسة بدون دين. حتميّة تأريخيّة، حاول الإنسان المعاصر بدولته المدنيّة أن يخرجَ عنها، فلم ينجح إلّا بمقدار ما يكفل للفرد اختياراته الدينيّة التي لا تصادر على الآخرين اختياراتهم، وهي رؤيةٌ جاء بها القرآنُ من قَبل، إلا أنّه تمّت مصادرتها ﰲ تطوُّر النظريّة المعرفيّة لدى المسلمين. ﰲ الحقل الإسلاميّ، قُدِّمت دراساتٌ عديدة ﰲ الكشفِ عن العلاقةِ بين السّياسة والدّين، ولا يزال هناك كثيرٌ مما يمكنُ قولُه. لم أقدّم ﰲ هذا الكتاب سياسةً محضة، ولم أعالج ﰲ الدِّين مسائلَ فقهيةً خالصة أو قضايا كلاميّة مجرَّدة، وإنما قدّمت محاولةً لفهم العلاقات المنسجمة أحياناً والمتنافرة أحياناً أخرى بين السّياسة والدّين، على المستويَين الإسلاميّ والعُمانيّ".
يُصنَّف "طبقات المشايخ بالمغرب" لأبي العبّاس أحمد بن سعيد الدّرجيني، ضمن كتب المناقب التي عادةً ما يكون الهدفُ من تأليفها تتبُّع المسلك الأخلاقيّ للعلماء، وذكْر الفضائل التي يتحلَّون بها بهدف أخذ العبرة والعظة والقدوة الحسنة. لكن الأهمّ من ذلك، أنّ هذا الكتاب يكشف من خلال سِيَر التراجم -وإنْ بطريقةٍ غير مباشرة- عن حياة النّاس خلال القرن السّابع للهجرة في علاقة بعضهم ببعض، في ظلّ تنوُّع أعراقهم ومذاهبهم وطبقاتهم، لذا نراه يمدُّنا بمعلومات قيّمة تتعلَّق بمعاشهم، وأنشطتهم، ومأكلهم، وملبسهم، وعاداتهم؛ الأمر الذي يخدم المختصّين والباحثين والمهتمّين بمجال التاريخ الحضاريّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ.
يهدِفُ هذا الكتاب إلى إبراز طبيعة العلاقات العُمانيَّة العثمانيَّة خلال الفترة 1744-1856م، التي تمثِّل بداية تأسيس دولة البوسعيد في عُمان بقيادة الإمام أحمد بن سعيد وحتَّى وفاة السّيد سعيد بن سلطان، وهي تعدُّ فترة خصبة شهدت الكثير من مظاهر العلاقات والتواصل بين الطّرفين، وذلك من واقع الوثائق العثمانيَّة المهمّة التي تكشف لنا طبيعة العلاقات السّياسيَّة والعسكريَّة والتجاريَّة المتبادَلة بين الدَّولتين، والتي تراوحت بين الودِّ أحيانًا والخلاف أحيانًا أخرى، في الفترة التي تعرَّضت فيها كلٌّ من عُمان والدولة العثمانية لأخطار من قِبَل القوى المجاورة لهما.