رحيل من كانوا معنا، يعني أننا فقدنا أملَ احتمالية أن نلتقيهم في أيّ صدفة مقبلة، أو فقدنا فسحةَ ذلك الأمل. هكذا يجيب الموت عادةً: “كانوا هنا، والآن قد رحلوا”، ولكن حين كانوا بين ظهرانينا، هل كنا منشغلين بهم إلى الحد الذي يجعل رحيلهم مفجعًا لنا؟ هذا سؤال آخر، لكنَّه سؤال قاسٍ قد يتبادر إلى الذهن بسهولة. الأمر في هذه الحالة لا يتعلَّق فقط بغيابٍ مقابل حضور، إنما بالأمل، فمع الراحلين تُرك كلُّ بصيص أمل وراءنا وإلى غير رجعة، على الأقل في الحياة التي نعيش. في هذا الكتاب، تتبادل الحضورَ أسماءٌ من أزمنة وأعمار مختلفة، لكنهم جميعهم يشتركون في حال الغياب، غياب يقترن بحضور وحياة الكاتب ومدى علاقته بكلٍّ منهم مباشرة أو من خلال القراءة أو استعادة الذكريات. جميعهم رحلوا بحقائب خفيفة، هي أوراق أو مواقف تتبادلها ذواكر مَن عاصروهم قراءةً وحياة. نحن سواسية أمام الموت وإن كنا في الحياة متفاوتين.
كان عبدالله أكثر اعتدالا، وأقل شوقًا، وكان يحيل الأمر إلى شخص مجنون يحاول أن يعبث ليس إلا. لكنه اليوم لا يعرف ما الذي يجعله يظن أن ثمة أمرًا ما في طريقه إلى الحصول. لم يكن يؤمن أن أحدًا ما قادر على التنبؤ بالذي ستحمله الأيام، وإن كان أحد ما يظن نفسه قادرا على فعل ذلك، فليس هو بالتأكيد. حسين العبري
بدهشة يصيخ الصغير إلى صلصلة عصافير الليمونة، مودعة شمس القرية. مع دوران الشمس يبست الليمونة، وتشردت العصافير .. وهو لم تسعه القرية. كلما شاهد عصفورًا بين المباني الراكضة إلى السماء يسطع في ذاكرته مشهد "الصلصلة". خميس قلم
يتطرق هذا الجزء من كتاب "الحارة العمانية" إلى الجانب البشري في فتراته القريبة، نهاية القرن التاسع عشر والقرنين العشرين والحادي والعشرين، مع وجود شخصيات خارج هذه الفترة، ليبرز زاوية مهمة عزف عن توثيقها الجيل الجديد بسبب مشاغل الحياة وملهياتها، فما كان من الباحث محمود بن خليفة بن سالم البيماني إلا الشروع والانطلاق في التوثيق والسرد لهذا الإرث العظيم، قبل أن يغيب الموت من بقي من كبار السن الذين يحملونه. يتناول هذا الجزء شخصيات وأعلاما مختارة من محلة الخضراء بولاية بهلا، وذلك بحسب المادة العلمية المتوافرة التي استطاع البيماني الوصول إليها، وهم الشعراء والفقهاء والقضاة وأصحاب المراجع العلمية والتاريخية، مع ذكر نموذج التعليم في مدرسة القرآن الكريم.