عشت اللحظة نفسها، والمشاعر نفسها مرات عديدة وفي مراحل مختلفة، وفي كل مرحلة كان الأمر يزداد مرارة. المشكلة الكبيرة أنهم لابديل لهم، لكنهم يرحلون سريعا، يرحلون وانت لم تأخذ منهم كفايتك، من الحب، والعلم والمعرفة. يريدون للأجيال القادمة أن تعيش دون معرفة حقيقية، يريدونهم أن يعرفون، مايحددونه لهم فقط، سيموت الكبار، ولن يكون علم في الكتب إلا التوافه أو المقطوع، والمجزوز منها. نظرت إليه مدى باستنكار. أومأ برأسه إليها، وأضاف: نعم فأمهات الكتب ستكون قد رفعت، وجعلت في المتاحف؛ بحجة أنها من النسخ النادرة، ولا يوجد مثلها، كأنهم لا يقدرون على استنساخ ما جاء فيها، هكذا سيتحكمون بالعقول القادمة.
الفكرة العامة لهذا الكتاب ليست جديدة فــ(ذاكرة الأيام) أو (حدث في مثل هذا اليوم) أو ما شابه من عناوين هي اليوم فكرة شائعة, ربما کشیوع الكلمات المتقاطعة أو الأبراج في الصحف ، ولكنني هنا أزعم طرحا جديدا. فالأحداث التي ترد في هذا الكتاب كلها عمانية أو لها علاقة بعمان ، سواء ما حدث على الأرض العمانية أو تلك التي وقعت في أي مكان من العالم .. كما أن المدون هنا لا يقتصر على حقبة معينة فهناك ما حدث قبل ألف عام أو أكثر ، وهناك ماحدث العام المنصرم ، وهناك أحداث كبيرة وأخرى بسيطة وفي كل المجالات تقريبا.
وكما قال الأديب الراحل الشيخ عبدالله بن محمد الطائي في كتابه تاريخ عمان السياسي: «إذا ما قدر لهذه البلاد أن يؤمها علماء الآثار، فسيجدون بكثير من مدنها ما يدل على عراقتها، وما يكشف عن حقائق غامضة من تاريخ شبه الجزيرة العربية»، وفي كتاب الإمام الصلت بن مالك الخروصي وعهد الصلوت أسهمنا بما نأمل أن يكن سراجاً ينير معالم لم تنل نصيبها من الضوء في دروب التاريخ العماني، وقراءة تاريخية في سيرة الإمام الصلت، والأئمة والسلاطين من ذريته، وفي دهاليز مملكة الصلوت التي أشار إليها الشيخ أحمد بن سعود السيابي في تقديمه، وكان لنا السبق في التدوين عن أخبارها، وبين صفحات الكتاب تعريج على حقبة الملك محمد بن مالك، وأسباب تغيير مسمى الحاكم من الإمام إلى ملك، وأحوال الصلوت في عهد حكام آل بوسعيد. ولأول مرة سيجد القارئ الكريم وثائق ومخاطبات من سلاطين البوسعيد والزعماء، وأكابر أهل عمان مع الصلوت، وتعريح على الحروب العمانية على البحرين، وسبب دخول مطلق المطيري إلى عمان، وكيف كانت نهايته، وأحداث النزاع العماني السعودي حول واحة البريمي. والأمل معقود على المختصين والباحثين وكل مهتم بتاريخ عمان أن يضيف بمعرفته وعلمه، فهذا الكتاب يمثل انطلاقة على درب التوثيق والتأريخ.
هذا الكتاب يلقي الضوء على حقائق تبدو غائبة من الكثيرين، كاشفاً عن تفاصيل غواية كبرى انتهت إلى إطلاق الفتنة النائمة من قمقمها لتطاول، الحرث والنسل، جاعلة من الأوطان مجرد هياكل آيلة للسقوط ممزقة نسيجها الإجتماعي منتهكة لكل الحرمات ربما بعون ورعاية من الذين يفترض أنهم قائمون على صيانتها وتأمينها، كيف تسير الأمور على الصعد القطرية والخليجية والعربية وماذا فعلت النفوس البشرية الأمّارة بالسوء بنفسها وبغيرها. يرصد ما جرى ويجري… كيف ولماذا؟ ويستقرئ ما هو آتٍ منطلقاً من قراءات متأنية لحوارات متعددة ومتنوعة مع "جندي مجهول" كان شاهداً على حالة الإرتداد والرُدّة إلى زمن "ملوك الطوائف" الذين بكوا عروشهم كالنساء حين فشلوا في الحفاظ عليها كما الرجال. صرخة مكتومة من حناجر تملأها غُصة، ودعوة مخلصة إلى "نوبة استيقاظ" باعتبارها بوقاً لإنذار أخير نأمل ألا يكون "متأخراً" تحسباً لما يمكن أن يصعقنا في الغد القريب.
يضم هذا الإصدار بين دفتيه مجموعة من المقالات والنصوص الأدبية والدراسات والحوارات التي نشرت في مجلة الفلق الإلكترونية. وقد تطرقت هذه النصوص إلى موضوعات متعددة أهمها الفكر والثقافة والفلسفة والسياسة والإقتصادي. ويعد هذا الإصدار باكورة الأعمال التي سوف تقوم المجلة بنشرها تباعاً بهدف إبراز قيمة الطرح الذي تتبناه، وحتى يكون بمثابة مصدر بحثي للراغبين في الرجوع إلى هذه النصوص لأهداف دراسية أو بحثية أو علمية. كما تهدف المجلة من هذا الإصدار إلى مد الجسور الثقافية، وخلق بيئة من التفاعل بين الكاتب والمثقف أينما وجد وبالكيفية التي يراها مناسبة للحصول على المعلومة سواء بالطريقة الإلكترونية أو الورقية. وإذ تشرف مجلة الفلق الإلكترونية على إخراج هذا الإصدار إلى النور، فإنها تتقدم بخالص الشكر والإمتنان للمفكرين والكتاب والأدباء والصحفيين الذين دأبوا على النشر فيها. كما تتقدم بجل الشكر والتقدير إلى طاقهما المتميز، والذين هم بمثابة الجنود المجهولين الذين عملوا على إنجاز هذا الكتاب، وما زالوا يساهمون في رقي وتقدم المجلة ولا يألون جهداً للوصول بها إلى التميز.