(فلا ريب أن والد زهير كلثوم كان شاعرا نحريرا وجده کعب كان شاعرا لا يقارع في ميدان ولا يساجل في مجلس وأما زهير فكانت حروفه وقوافيه كالسهام المنطلقة لا يوقفها إلا انقطاع النفس.)
لم أعد أقوى على مقاومة النوم، فهو يغريني، إلا أنني ما إن احتضنه حتی يهرب مني بسرعة فائقة، ولم اهنأ يوما بغفوة مريحة، ومنذ أن بدأت أتحين الفرص المناسبة للانقضاض عليه أجده يتلاشى، كأنه سراب نومي، وكنت كثيرا ما أخرج من شقتي إلى الشارع المجاور، ممسكا بيد نومي ليجعلني أحلم. وما إن أحلم حتى أجد نفسي قد عبرت الطريق الطويل الذي لم انتبه يوما المسافته، كل المسافات تقصر، وأرجع بأحلام أيضا، ولم أنتبه أيضا بالمسافة التي عبرتها عند رجوعي. كلها قصيرة، وقصرها هذا يربكني، فأنا لا أستطيع تذكر ما يصادفني أثناء سيري، كل شيء يذهب بسرعة، والأحلام الكثيرة تتطاير من حولي..
لكن المهندس علي أصبح يمشي بتؤدة يثير الغبار تحت قدميه.. يخوض هذا الغبار وحده ، يجاهد كي لا يختنق ، يحاول رفع أنفه لتكون فوق مستوى الغبار، يستنشق ويزفر بسرعة خاطفة كي يخزن بعض الهواء النقي في رئتيه.. يتحدث بصوت مسموع لأشخاص يراهم وحده، يصنعهم في الأثير المحيط به لكي ينفث مخزون الحديث الذي لا ينفد أبدا، محاولا نفض الغبار المتكدس في عالمه الخفي. - غبار يا خي.. في عقولكم غبار. نعم مات.. وهذا الذي يتدحرج أمامنا ما هو الا جسد استعمره الغبار، وأنا لا أريد أن أموت مثله.. لا أريد..
ليتني امرأة عادية تؤمن بأن الحب حق والصدف حق والانتظار حق والهروب حق ونسيانك حق مشروع أيضا. ليتني امرأة عادية تنتظر فارس أحلامها وتحلم به وتعيشه حكاية جميلة مغلفة بغلاف العاطفة.. ليتني امرأة عادية تخدشني الجرأة و تحمر وجنتاي لكلمة غزل ومشاعر منبثقة.
وقفت الأمة على اختلاف في الاحتفاء بهذا الحدث، فمنهم من لم يجزه مطلقا، ومنهم من عمل فيه ممارسات وطقوسيات لا يقرها الإسلام أو لا يقر كثيرا منها، ومنهم من وقف في الوسط حيث أخذ العبرة والارتباط بذكرى هذا السيد وتذكر رسالته، وهذا الذي سار عليه الإباضية.
إننا قد دخلنا في مرحلة زمنية تحول فيها الكون المترامي الأطراف إلى قرية صغيرة، ولكن للأسف تقاربت أقطابها وتنافرت قلوب ساكنيها، ولذلك باتت البشرية في أمس الحاجة لما يخرج من ضيق الدنيا إلى سعة دنياها واخرتها ولا یکون ذلك إلا الإصلاح الإسلامي، ولا یکون هذا الإصلاح إلا بإصلاح منطق أهله الفكري والدعوي.