يتخطى كتاب “قطرة المحو” فكرة كونه إصدارًا يتضمن عددًا من المجموعات الشعرية التي توثّق المسار الإبداعي للكاتب العماني زهران القاسمي، ليمثّل كنزًا لمجموعة من الأحاسيس الموغلة في الرمزية الهادفة التي لا تخلو من نفَس تراثي عميق يركن إلى لغة سليمة تغذيها موهبة شعرية وقّادة.
يعتبر رصد التاريخ لاستلهام العبر والعظات، والاقتداء بمن مضى من أصحاب الخير من عوامل نهضة المجتمعات والأمم، ويعتبر التاريخ من أرصدة القوة كونه يقيّد تجارب شعوب وأفراد عاشوا في هذه الأرض وقد مرت عليهم أحداث تفاوتوا في طريقة التعامل معها. وكان أن رصدت في هذا السفر جزءا من تاريخ عُمان وسميته «المنزفة. بيوتها الأثرية - تراجم أعلامها وهجرتهم إلى الدريز وغيرها من البلدان في عمان وإفريقية الشرقية»
يلقي الكتاب الضوء على شخصية مميزة تمتلك سجلاً طويلاً من الإسهامات، والنشاطات، والمشاركات الدينية، والتربوية، والتعليمية، والأدبية. ويقدم محقق الكتاب نماذج مميزة من تراث الشيخ العيدروس النثري، وخاصة خطبه التربوية والوعظية التي كان يلقيها أثناء سفراته الدعوية، وسجالاته مع غيره من العلماء. أما فصاحته وبلاغته فقد تجلتا فيما خلفه من تراث شعري بنوعيه: الشعر الكلاسيكي التقليدي بأغراضه المتعددة، والشعر النبطي بلغته الخاصة المميزة. كتاب مميز ممتعة قراءته، ومفيدة معلوماته للباحثين في التراث العماني.
بعض الكتب لا يُكتب بحبر القلم فحسب، ولا بنقرة لوحة المفاتيح، وإنما بدم القلب مباشرة وأزعم أنَّ «كلنا مريم» واحد من هٰذه الكتب التي لا يمكن لقارئها أن يظل هو نفسه بعد الانتهاء من الصفحة الأخيرة. وللوقوف على أهمية هٰذا الكتاب سأستعيد ما كتبه غسان كنفاني قبل أكثر من ستيِّن عاما وهو يكابد آلام المرض، حين توصَّل إلى أنَّ عصر المشاركة يكاد يكون معدوما بين الناس «إنَّهم يحسُّون أنك تتألم، ولٰكنهم لا يعرفون كم تتألم، وليسوا على استعداد أبدًا لأن ينسوا سعادتهم الخاصة من أجل أن يشاركوا الألم، وعلى هٰذا فعلينا أن نتألم بيننا وبين أنفسنا، وأن نواجه الموت كما يواجه واحد من الناس الآخرين نكتة يومية». حين كان محمد المرجبي يعيش يوميات مرض ابنته وذبولها على مدار سنوات، كنا -نحن أصدقاءه وزملاءه- نحس أنه يتألم، ولكن لا نعرف مدى هٰذا الألم، وهنا تكمن فرادة هٰذا الكتاب الذي يلتهمك بالتدريج؛ إذ يخيل إليك في صفحاته الأولى أنك ستقرأ فقط حكاية معاناة فتاة وأهلها مع مرض عُضال، والمحاولات المحمومة لمقارعة هٰذا المرض ومهادنة الحياة، وهٰذا ما يحدث بالفعل، لٰكنَّك ما تلبث حين تتوغل في القراءة أن تكتشف أنك لم تعد مجرد قارئ عن الألم والمعاناة وإنما تعيشها بكامل وجدانك وأحاسيسك، وأنَّك بت فردا من هٰذه العائلة المتكاتفة التي قررت التخلي عن كل مشاغل الحياة والتفرغ لمحاربة هٰذا المرض، وتهيئة كل الظروف المواتية لمريم لتشعر وهي في رحلة العلاج المضنية التي امتدت شهورًا أنها لم تغادر وطنها الأم، وما زالت بين أهلها وناسها الذين يتنقلون معها من عُمان إلى الهند ثم تايلند، والبحرين، دون كلل أو ملل، يحتفلون معها بالعيد، ويعدون لها الوجبات التي تحبُّ، بل ويفاجئونها أحيانًا بزيارات صديقاتها الحميمات. استغرقت «يوميات المرض والذبول» هٰذه سنوات عديدة، وحضرت عُمان فيها في خلفية المشهد، من رحيل السلطان قابوس -رحمه الله- في العاشر من يناير 2020م، إلى جائحة كورونا التي اجتاحت العالم في العام نفسه، إلى الاحتفال بالعيد الوطني الثامن والأربعين، إلى بداية العام الدراسي، وغيرها من تفاصيل البلاد الكبيرة والصغيرة التي وضعت القارئ في الإطار الزمكاني للأحداث. ليس هٰذا الكتاب الأول لمحمد المرجبي، وأغلب الظن أنه لن يكون الأخير، لٰكن يحلو لي دائما أن أسمِّيه «كتاب العمر» ليس فقط لموضوعه الإنساني المؤثر، ولا لأنه يحوِّل قارئه من مجرد متفرج على الألم إلى مشارك منغمس فيه، ولٰكن أيضًا لأنه كتب بحرارة وصدق. سليمان المعمري
شهد القرن التاسع عشر أحداثا كبيرة في شرقي الجزيرة العربية، حيث رغبة آل سعود في التوسع على حساب جيرانهم عمان ومشيخات ساحل عمان والبحرين، والكويت فضلا عن بلاد الحجاز وحائل وتسبب تهديدا للملاحة في مياه الخليج العربي. وجاءت دراسة الزميل الدكتور ناصر بن عبد الله الصقري "علاقة الدولة السعودية الأولى بعمان" لتلقي الضوء على الأسباب والأحداث والنتائج التي توصلت إليها الدراسة. وخلال الفترة المختارة: 1800 - 1818م وكان على رأس السلطة في عمان في هذه الفترة السيد سلطان بن الإمام أحمد البوسعيدي (1793م - 1804م)، وبعد مقتله خلفه ابنه سعيد بن سلطان (1804 - 1856م)، بينما في الجانب السعودي الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود (ت: 1803م) ثم ابنه سعود الكبير بن عبد العزيز (ت: 1814) وخلفه ابنه عبد الله بن سعود (ت: 1818م) وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى على يد محمد علي باشا مصر بتكليف من السلطان العثماني. الأستاذ الدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر (المتفرغ)
يغطي الكتاب في موضوعه فترة زمنية مهمة من تاريخ عمان المعاصر، تبدأ مع بداية حكم السلطان فيصل بن تركي بن سعيد الذي حكم في الفترة من 1888 - 1913، وتنتهي بعام 1970، وهو العام الذي تزامن مع حكم السلطان قابوس بن سعيد (رحمه الله)، باعتباره مؤسس نهضة عمان الحديثة، وقد شهد التعليم منذ ذلك العام نقلة نوعية غير مسبوقة في مسيرة التعليم، وبالتالي هو يقف عند عام فاصل في سيرورة التاريخ العماني وصيرورته، وانتقاله من حال إلى حال، مواكبا بذلك المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما يقدم الدكتور ناصر الصقري في هذا الكتاب تطوافا تاريخيا جميلا، وهو لا يؤرخ لحدث سياسي، بل يؤرخ الجوانب حضارية وإنسانية حافلة بالذكريات عن تلك الحقبة من الزمن، وبذلك يقدم تأريخا لذاكرة الإنسان وذاكرة المكان، ومع أنه يؤرخ لمسيرة تطور التعليم في عمان خلال حقبة تاريخية مهمة (1888 - 1970م)، إلا انه في ذات الوقت يقدم مؤشرات في غاية الأهمية عن تأثير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تاريخ تلك الفترة الزمنية، وهو يقدم كل ذلك بلغة أكاديمية جادة، وفي ذات الوقت استخدم أسلوب ينضح بالديناميكية بالنسبة لروح السرد التاريخي، وهو ما يغري القارئ على مواصلة القراءة، فالانتقال من فكرة إلى أخرى يبدو منطقيا والانتقال من ذاكرة الكتاتيب إلى ذاكرة المدارس الأهلية والخاصة في مسقط، ومطرح، وصولا إلى المدارس النظامية يأتي في سياق كرونولوجي واضح، مقتفيا يصير كل أثر مادي وغير مادي، وكل صورة، وكل ذاكرة حية أمكن الحديث معها، والاستماع لها. د. علي بن سعيد الريامي رئيس قسم التاريخ - جامعة السلطان قابوس