إنما في هذه اللحظة الحرجة تتشابك في عابد موجات عنيفة من الاضطراب تكاد من قسوتها أن تلقيه في حالة من الإغماء، فيتصبب العرق سخياً من أحافير جبينه المتغضن، حتى أنه بالإمكان أن يلاحظ في الشماغ الكاكي الملفوف حول رأسه خطاً بنياً داكناً يصبغ الحافة الملتصقة بالجبهة الحنطية المشدودة بعصب ضخم يغوص بين عينيه. كما اجتاحت خلاياه صرخات لا لون لها تعصر جسده النحيل بخبث فقدت أحشاؤه اتزانها أيضاً وكأنها توجه له إنذاراً خفياً… لم يكن سبب ذلك عصيات الملاريا التي تستحم منتشية في دمه، أو تقلبات الطقس المضطرب، فقد كان عابد عسكر يرتكب في هذه اللحظة فعلاً أحمق وخطيراً….
تأخذك د. عزيزة الطائي في (موج خارج البحر) إلى أمواجها المتلاطمة في دخيلة الصدر، وتحملك على أجنحة الدهشة، نحو عالم لا تحده الجغرافية، عالم مليء بالخير والشر، بالمادة والروح، بالحب والحرب. في هذه القصص القصيرة جدا تقترح عليك المؤلفة أن تثقف نفسك.. أن تنفتح على الآخر.. أن تنظر إلى الجدران والمرايا، أن تسترجع كنفاني ودرويش ومطران وشوقي، أن تفتح ذاكرتك على اللون والرمز والأسطورة والسينما.. ها هنا تأخذك عزيزة الطائي إلى موجها الأثير، لتجد نفسك، وعشقك، ووطنك، وأسئلة لا حصر لها تنبثق أمامك مثل جرح مفتوح. د. يوسف حطيني
تهرب غزالة ـ بعد صدمة الاختفاء المباغت لأختها بالرضاعة آسية ـ من تلك القرية المندسَّة بين جبال عُمان إلى عشق عازف الكمان صاحب الأنامل المُرهفة والطبع الحالم. لكنّ الظلال تبتلع العازف لتجد غزالة نفسها وسط تقاطع المصائر العجيبة... جوخة الحارثي: كاتبة وأكاديمية من سلطنة عُمان، صدرت لها عن دار الآداب «سيِّدات القمر» (جائزة بوكر العالميّة لعام 2019) و«نارنجة» (جائزة السلطان قابوس للرواية لعام 2017).
في فجر السابع من يناير عام 2015 قُبِضَتْ روحي عندما كنت نائماً في بيتي في يداب، إلا أنني لم أنسلخ فوراً من إهاب هذي الحياة، ربما بسبب ما عانيته من الوحدة في السنين الخمس الأخيرة بعد رحيل زوجتي تقوى، حيث لم يكن يطرق بابي أحد وأبنائي - بسبب أسرهم وأعمالهم ومشاغل حياتهم- يزورونني في الأحايين، ويهاتفونني مرة كل أسبوع وآخر، لذلك لم يعلم بموتي أحد، وبرغم فيض السعادة المفاجئ الذي غمرني تشوش عليَّ ما صرتُ عليه بعد مفارقة جسدي الدنيوي، فقد كان جسدي الأثيريُ يطفو فوق فضاء غرفة نومي، وأصبحتُ أرى بوضوح لم أر بمثل شدَّته وصفائه من قبل، وملأني شعور متصاعد من الحب والفرح والسلام.
لقد آمن مجلس إدارة النادي الثقافي بأهمية التعرف بالإبداع العُماني نثره وشعره حين وضع على عاتقه تأطير برنامج مؤسس من أجل التعريف بالمؤلف العُماني ناثراً كان أو شاعراً فكانت ولادة فكرة تأسيس برنامج ( النص العُماني برؤية عربية) لينطلق هذا المشروع من قناعات تتفق جميعها حول حاجة النص العماني إلى الدراسة والتحليل وهي حاجة لا تقل أهمية عن وجود النص نفسه؛ فالنقد دورة حياة مهمة للنص، ومن خلالها تنكشف أبعاده ومساراته، وسياقاته، وتحولاته التاريخية والاجتماعية، ومن خلال مسارات النقد واتجاهاته ومدارسه ومناهجه المتعددة فإن النص سيدخل الشكل التفاعلي مع المتلقي( القارئ) بمستوياته لنسج نصوصاً جديدة مغايرة. إن ما نعرضه هنا من رؤية لمشروع نقدي مستمر هو جزء من حلقات تخصصية لنص معيّن، يشمل النص الأدبي والتاريخي والنقدي والفني وغيرها من النصوص التي يمكن أن تُقرأ وتُحلل من منظور نقدي منهجي حديث يأخذ بعين الاعتبار تنوع المناهج وتنوع الرؤى من ناحية وحاجات النص وسياقاته من ناحية أخرى؛ حيث يتم تحديد محاور الدراسة ويستكتب مجموعة من النقاد العرب ممن لهم صيت ذائع في هذا المضمار، لإنتاج مباحث علمية متخصصة تُطبع في كتب في هيئة سلسلة متعاقبة.
ربما كان حبي الأقدم شجرة غاف أو سمر أو قرط أو شريش كانت خراف عائشة ونعاجها ومعيزها تسرح وتمرح وترعى تحتها وإلى جوارها. أو ربما تلك الموجة الزرقاء التي حاولت أن تبتلعني وأنا أساعد الصيادين في سحب القارب کي يستقر على الشاطئ في رحلة صيد الأسماك ذات صباح باكر. ربما كان حبي الأول صخرة أحاول دحرجتها عبثا، أو وطنا مسوّفا محزوما في لعابي، أو أما مسافرة في قلبها إلي، أو سمكة تنفض فضتها في أشواقي، أو نخلة هيفاء تقرّب إلى أنفي -وأنا نائم أحلم بها- روائح طلعها المقدس ورطبها الجني. ربما كان حبي الأول موتا تجاوزني، أو حياة منقلبة ومتدحرجة تشبه ملامحها فتاة ما، خزّنتني في بوصلتها الماكرة، وفي جهاتها المتحولة، فتاة لم أرها ولم ألتقها حتى هذه الساعة. ربما كان حبي الأول صفحة بيضاء كالتي في فيلم سينمائيّ، أو زاوية حادة تنبعث فيها عزلتي الذهبية أو دمعتي التي تفيض بالحنين إلى شيء غامض موارب عنّي.