شعرت بشيء من هذا وأنا أكتب مواضيع هذا الكتاب، فلم أكن أرغب في كتابة مقالات أدبية وفقا لمقاييسها المعروفة، وإن كنت قريبا منها إلى درجة كبيرة. ولم يكن في ذهني كتابة نصوص مفتوحة كالتي يكتبها الكثيرون. وإنما سعيت لأكون قريبا من ذلك كله، ساعيا لإنتاج نص أدبي في قالب مقالي يتسم بالتنوع والثراء، إلى جانب اللغة الأدبية، مستعينا بما تيسر لدي من حصيلة معرفية من خلال المطالعة، بالإضافة إلى الاستفادة من مختلف المصادر المتاحة، بغية كتابة مواضيع تحقق جزءا كبيرا من المتعة القرائية لدى القارئ، كتلك المتعة التي يجدها في نص شعري أو عمل سردي أو غيره. من هنا يقترح عنوان الكتاب عنصر المسرة لدى القارئ، وإن لم تكن جميع المواضيع ذات طبيعة مبهجة. تضمن الكتاب أحد عشر موضوعا، كلها تبدأ عناونيها بكلمة (عن)، لتصبح هذه العنعنة "مجازا"، بمنزلة العتبة الأولى للدخول إلى فضاءات النص.
لا يختلف اثنان على ما لهذا الموضوع من أهمية في بيان الدور الحيوي الذي يؤديه الماء في الحياة الأرضية، وبيان دلالات مفردات الماء والمفردات المتصلة بها في القرآن الكريم، وضرورة التشجيع على الدراسة والبحث في مادته، فهو الأساس الذي تقوم عليه حياة المخلوقات، والثروة الغائبة التي تتسابق الأمم إلى الحفاظ عليها، والظفر بثروتها؛ في ظل اتساع رقعة البشر. كما وجدت الحاجة ماسة للكشف عن الأهمية التي يمثلها الماء في الحياة الأرضية؛ تبيانا لقيمته مادة، وثروة، وأساس حياة، وبيان دور اللفظ القرآني في الدراسة الوصفية الدلالية، وفي علاقة اللفظ بالمعنى؛ فضلا عن رغبة صادقة تملكتني في دراسة هذه المادة، والكشف عن إعجازها القرآني، والمعجمي، والتفسيري؛ إلى جانب محاولة فهم النص القرآني من خلال هذه الألفاظ.
إن إعادة الاعتبار لقصيدة الإمام سعيد بن أحمد؛ (يامن هواه)، ونسبها لقائلها، هدف جعلته الباحثة شيخة الفجرية منطلقا لها عند قراءة التجربة الشعرية العمانية، وفق المنهج التاريخي، ملقية الضوء على تعدد المدارس العمانية الشعرية، وقامت بتحليل النص على المستوى الدلالي، والصوتي، والتركيبي للقصيدة، والصورة والانزياح، لكنها لم تتوقف عنده طويلا، عندما اختارت أن تدرس "ثنائية الشعر والنثر في الحداثة الشعرية العمانية"، بل سرعان ماتجاوزته، بعد أن أعطت النص مايستحق من الدراسة، والتحليل، لتجعل بحثها مناسبة لتتبع الشعر العماني عبر العصور، والتعريف بأبرز شعرائه عبر التاريخ، وصولا إلى العصر الحديث، وقصيدة التفعيلة، ودخول منطقة الحداثة، ووضعها في النثر، والشعر ضمن سياقهما الصحيح، دون انفصال كلمة الحداثة عن سياقها التاريخي.
رحلات عديدة.. وأسفار كثيرة تتزاحم في جواز سفري.. من آسيا إلى افريقيا وأوروبا وأميركا.. وفي كل زيارة ثمة مدينة معشوقة تسكن ناصية القلب، وت تربع على عرشه، كلما وجدت مدينة عشيقة، قلت هذه حبي، وحينها أزور أخرى، أقول: هذه عشقي.. هذه أكبر. مدن وعواصم لا يجمعها أكثر من عشق مسافر يمم في مرته الأولى جهة الشطر العربي، وجال حياض الحنين إلى تاريخ سلف، وذاكرة تاهت مع حكايا أخرى.
ربما لن نخفي اعتقادنا بأن القصة القصيرة في عمان هي القادم الجديد. ولعل الرائي من الأرض إلى السماء عبر الفراغات التي تحدثها الريح لدى تحريكها لسعفات النخيل، قد يتراءى له أن هذه السعفات هي التي تحرك ببطء قرص الشمس الذي ربما لم تعد تحركه قوانين حركة الأجرام الكونية، بل قوى الحدث الذي ينسج في البعيد. يأتي هذا الكتاب ثمرة جهود عامين متتاليين من نشاطات فعاليات أسرة كتاب القصة في عمان، بالنادي الثقافي، والتي انتظمت في أكثر من أربعة من أمسياتها الدورية في الفترة الممتدة من يناير 2007 إلى يناير 2009. وبطبيعة الحال فإن القراءات القصصية والنقدية المتضمنة بين دفتي هذا الكتاب هي بعض مما أنجز في الفترة المذكورة، ولا تمثل إلا توثيقاً جزئياً تم اختياره بشيء من الانتقاء ليمنح قارئه فرصة التعرف على بعض التجارب القصصية العمانية الحديثة.. وقد أدرج معدا الكتاب في نهايته ببليوغرافيا بالمجموعات القصصية التي صدرت لكتاب عمانيين في الفترة ما بين عامي 2000 و2008.. نأمل أن يصبح هذا الكتاب مرجعاً مفيداً يضيف رصيداً معرفياً للقارئ والكاتب والناقد المتتبع لنشاط الحركة القصصية وكتابها في سلطنة عمان.
سبح وعول نحوها ثم رمى بها في الماء سبحت مباشرة باتجاه فرحان، شاهد فرحان نظرتها المدهوشة، فالتفت إلى حيث تنظر فرفع قوائمه ببطء وهدوء ثم شديدين، خطا ثلاث خطوات للخَلف، وليفة معه، وهمس لها بصوت متردد: انظري كأنه قط عملاق انتبه وعول وقال: …. إنه نمر! انفذوا بجلدكم.