أساطير السحر في بلدتي تأخذ بعداً آخر غير البعد الذي ثار في ذهن ثريّا، قد يكون بعيداً أيضاً عن منطلقات العلم الحديث . حكايات من انتقلوا إلى عالم السحرة أو ما يطلق عليهم في البلدة «بالمغاصيب» أو «المغايبة» كانت متوارثة ومتجددة في البلدة وفي البلدات المجاورة. تلك الأسماء التي اتفق عليها الجمع من البشر الأحياء أتت من الغصب والغياب، وهي مصطلحات منطقية لأناس رحلوا عن الدنيا ظاهرياً وبقوا في العقل الباطن. إنه تاريخ من الخرافة المتأصلة إلى حد كبير في مجتمع البلدة، أو واقع نجهل كينونته حتى الآن.
الفضول يسكن خالد لمعرفة ما حدث. إلا أن فضوله لمعرفة تفاصيل الجسد الواقف أمامه كان أكبر. تأمل الصالة مرة أخرى. نظر إلى البعض وهو يرقص بهستيرية غريبة. تناقضات يعج بها المكان. أيقن خالد أن الكازينو هو مجرد مجتمع مصغر لمجتمع كبير. تنوع بشري مذهل. حراك محسوس حتى على مستوى الثورة. في الخارج ثورة على النظام. في الداخل ثورة على النفس. الفرق بينهما هو أن في الداخل تتداخل الخطوط الحمراء مع الخطوط الخضراء، بينما في الخارج هناك هناك خطوط حمراء تفرض نفسها بالدرجة التي لا يمكن المرء تعديها إطلاقا. ما زال خالد في لحظات دهشة. عالم آخر يعيشه هنا. رغبة داخلية للتغيير. فضول كبير للتجربة. ما زالت عياناه تجولان في المكان بحثا عن عمر.
تطرق هذه الرواية باباً قلَّ طرقه في الرواية العربية، إذ تتناول اضطراب الهوية الجنسية لدى بطلة الرواية [سعاد] التي لم تكن تعلم أن الصرخة التي لم تُطلقها حين واجهت الدنيا لأول مرة، ستكون بمثابة احتجاجٍ صامتٍ على كل ما آلت إليه. خطوط متشعبة من الأحداث التي لا يبدو لها من نهاية وصراع لاهث مع الذات والآخر في حبكة روائية فائقة الصنعة من الحرف الأول للرواية حتى الحرف الأخير.
"ما قرأتموه على هذه الصفحات ليس سوى نثـار حروف فما كنت أكتب كما تظنون وكما أظن... كنت أفتش في خبايا الروح عني وعنك وعن أشياء أخرى كثيرة وجميلة لم أستطع الحصول عليها. . . كانت تطاردني الفكرة وأطاردها. . . وكنت أحاول الإمساك بها ... لكنها کانت تمكن مني قبل أن أتمكن منها.... ترعبني تلك اللحظة التي أسكب فيها ماء الروح في فكرة لألقيها علیکم عارية من أي ما يستر جمالها أو قبحها وكما أتت دون زركشة أو زخرفة أو حتى محاولة إلباسها ثوبا جديدا... فالفكرة لدي بعمر اللحظة التي ولدت فيها.... حتى اكتشفت ... أن كل ما كتبته كان نثار من روحي... نثار حاولت تجميعه قبل أن تعصف به ذاکرة زمن مهترئة".
عشت لسنوات على أمل أن تفي بوعدها الذي وعدتني إياه وأنا أمسك بلحافها الأزرق عند بوابة السجن: «ما تخاف راشد، أجي أشلّك لما أطلع»، كل ما كنت أريده من الحياة أن تصدق في وعدها وأن تأتي، أن تحتضنني وأن تضمّني وتروي عطش قلبي وجفاف روحي، لكنها لم تأتِ، تركتني وحيداً أصارع وحش الحنين والشعور بالفقد، مرات عديدة كنت أصرخ، لقد كذبت؛ وأصبح كل شيء في هذا العالم بعد كذبتها، مجرد كذبة، كذبة كبيرة أحياها؛ كي أبقى متمسّكاً بخيط الوهم الأزرق الذي يأخذني إليها كل مساء، وأنا أشم رائحتها التي لا تشبه رائحة امرأة أخرى غيرها.
“يواصل الزبيدي سرده لتاريخ ثورة ظفار، ولكن هذه المرة على لسان امرأة ظفارية هي (مثال) فيحكي قصتها، بل قصة حياة شعب ما قبل وأثناء وبعد ثورة ظفار، التي بدأت منذ منتصف الستينيات، واستمرت لما يقارب العقد في جنوب سلطنة عمان. تتناول الرواية كثيراً من الأحداث التي وقعت في جبال الجنوب العماني في بداية النّصف الثاني من القرن العشرين، وتحكي غير حكاية تخص أشخاص ذاك التاريخ من قادة ومجاهدين وثوار، وتحفل بالكلام على عادات أناس ذلك الزّمن وتقاليدهم، وتصف معالم الأمكنة القديمة وما طرأ على الحياة من تغيرات. وهي بكل ذلك تكاد تكون رواية تاريخية، إلا أنّها تبقى مندرجة في المنظور الذي حكم رواياته السابقة من حيث تركزه على مفهوم الزمن وحركة التحول والتداخل، الأمر الذي يحملنا على ألّا نعتبرها رواية تاريخية بقدر ما هي رواية تستعين بالتّاريخ لتطرح السؤال نفسه عن الوجود ومعناه.”