قصة غير معروفة فعلياً في الغرب. عادت إلى الحياة في هذه القصة السردية الأسرة شخصيتان من بين أكثر الشخصيات تميزا في الشرق الأوسط: السلطان العماني سعيد وابنته المتمردة الأميرة سالمة. وحدث أن السلطان سعيد وذريته، من عاصمتهم في جزيرة زنجبار المتسمة بالحر الشديد والرطوبة. قد تواروا وراء الظلال وتشتتوا مع صعود وهبوط تجارة الرقيق في شرق إفريقيا خلال القرن التاسع عشر. « أمير المعي، وحر، ومتنور بما لم تشهده الجزيرة العربية من قبل». هكذا وصف المستكشف ريتشارد بيرتون (Richard Burton) السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، الذي تولى السلطة في عمان في العام 1806م، حين كان في الخامسة عشرة من عمره. وخلال عهده الذي دام نصف قرن، حكم سعيد بتناقض غريب: مؤمنا بإسلام متسامح وصل إلى السلطة بعد سفك دماء، ورجلا ذا فكر منفتح وفضول ثقافي أرسى علاقات مع الغرب وشيد إمبراطورية تجارية شاسعة على ظهور عشرات ألوف الرقيق. أما ابنته سالمة، المولودة من أم محظية ضمن حريم زنجبار، فقد ألحقت الفضيحة بعائلتها وشعبها بهروبها إلى أوروبا مع رجل أعمال ألماني في العام 1866م. لتعتنق المسيحية، وتكتب أول سيرة ذاتية مطبوعة لامرأة عربية. ورسمت المؤلفة كريستيان بيرد (Christiane Bird) لوحة صادمة عن عداوات عائلية عنيفة، ومكائد دولية. و شخصیات کاریزماوية؛ بدءا من السلطان سعيد والأميرة سالمة، وصولا إلى تاجر الرقيق فاحش الثراء تيبو تيب (Tippu Tip) والمناضل البريطاني المتقد نشاطا في مناهضة الاتجار بالرقيق الدكتور دايفيد ليفينغستون (David Livingstone).
وثمة حقيقة نؤكدها هي عدم صحة الدعوى القائلة أن اللواتيين لم يكن لهم مسمى قبلي لهذا سمو حيدرآباديين تارة والخوجة تارة أخرى والتي جاءت ضمن عبارات خاطفة عند بعض المؤرخين والمهتمين بالتراث اللواتي. وهذا النكران جاء بسبب أن تاريخ اللواتيا كتب بأيدي غير الباحثين اللواتيا، لأنهم هم من يستطيع إضفاء الوصف على ما كان يجري عندهم من تيارات اجتماعية وغيرها التي حددت مسار حركة اللواتيا في عمان، وفيما عدا ذلك فإن كافة الشواهد تشير أن اللواتيا لم يفتقروا يوما إلى مدونين للتاريخ بقدرما سمحت لهم ظروفهم. كل ما هنالك هو أن هذا التراث تعرض لأحداث زمنية مثلما تعرض له تراث معظم القبائل العربية والإسلامية من ضياع وشتات فضلا عما كان يصحب هذه الفترة من حروب محلية وفتن داخلية وإحراق للمصادر وتخريب للآثار التراثية.
قيمة الرّحمة قيمة ماهيّة مضافة، ارتباطها لاهوتيّا تجسّد للمثل الأعلى في ماهيّة الوجود ذاته على أسس الرّحمة، والإنسان جزء من هذا الوجود لا ينفصل عن التّماهي مع قيمه وسننه، فارتباط الرّحمة معه تماهي مع وجوديّته مع هذا الكون والوجود ذاته، وهذه الرّؤية الوجوديّة نفهم بها كيف نقرأ التّأريخ من جهة، والأحكام الإجرائيّة بما فيها أحكام الشّرائع في الأديان من جهة ثانية، فلا يمكن قراءة الاثنين بعيدا عن القيم الماهيّة، وإن ارتبطت بالهويّات فهو ارتباط إجرائيّ ظرفيّ لتنظيم الحياة في ظرفيّة ما، إلا أنّ هذا التّنظيم يتغير إجرائيّا في صور مختلفة وتبقى الرّوح واحدة بين البشر جميعا.
سعدتُ كثيرا بإقبال الشّباب على الطّبعة الأولى، والّتي سارعت على النّفاد، رغم بساطتها، وقد جاوزت المجتمع العمانيّ إلى الوطن العربيّ، بل وبعض شباب المهجر، فأعطاني شيئا من الأمل من وجود خيط أفقيّ واسع في تجاوز مرحلة التّطرف إلى مرحلة التّعايش والبناء، كما سرني العديد من القراءات ومنها نقديّة على الكتاب، وبما أنّ العديد من الجوانب جدّت في المجتمع العربيّ والإنسانيّ عموما، والعديد من الجدليات المتعلّقة بالتّطرف طُرِحَت وكتبتُ حولها في مناسبات وصحف مختلفة؛ ارتأيتُ أن أضيفها إلى الكتاب في هذه الطّبعة، والكتاب عبارة عن مقالات وقراءات وانطباعات لعلّها تساهم ولو بصورة بسيطة في رفع التّطرف، والانتقال إلى الإحياء والبناء تحت ظلّ التّعارف والتّعايش والتّسامح والمحبّة بين البشر جميعا.
عندما حملت السلاح، صار الصمت والتخفي طريقة حياة، وعندما أصبحتُ موظفاً ثم مسؤولاً حكومياً أصبح الكتمان طريقاً لبلوغ الغايات،وبات إصدار الأوامر والتعليمات شفاهيا فلسفة في الإدارة تعلمتها من معالي الدكتور؛ أبينا الذي في كابينة القيادة، عرّاب الصفقات الكبرى العابرة للمحيطات، وأنا مدين لهذا الأب العظيم بالكثير. لكنني اليوم، وقد عبرت محطات كثيرة في دروب الحياة، أجدني أتخلى عن خوفي من الكلمات المكتوبة، لأنفض الغبار عن ذكريات وأحداث لم أرغب يوماً في استعادتها وإعادتها إلى الحياة.
لقد وصل بنا ركب التجوال في ولايات محافظة الداخلية لنبدأ بإطلالة سريعة تلهف العاشق لزيارة ولاية نزوى ذاكرة التاريخ العُماني وقلب محافظة الداخلية النابض بفيض العلم والمعرفة. هي من أهم المدن العُمانية بالمحافظة وهمزة وصل بين محافظات السلطنة حيث تربط بين محافظة ظفار ومحافظة الوسطى ومحافظة شمال الشرقية ومحافظة الظاهرة وصولاً إلى مدينة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة عن طريق نزوى، عبري البريمي، وقد احتلت مكانة مرموقة عبر التاريخ العُماني باعتبارها العاصمة التاريخية لعُمان لفترة من الزمن لما تمتعت به من ميزات متعددة ووصفها الشيخ المؤرخ محمد بن عبد الله السالمي في كتابه نهضة عُمان طالب طلب بقوله : (نزوى أفخم بلاد داخلية عُمان ويوجد بها من الأنهار والأشجار ما لا يوجد بغيرها من المدن الأخرى).