لا ريب في أن المتتبع لمسيرة الشاعرة العمانية عائشة السيفية يظفر بكم هائل من الجماليات النصية، التي ما فتئ يحققها النظم لديها، ولئن كانت الشاعرة ترصد بداياتها الأولى، فإن دواوينها الشعرية الأخيرة أصبح لها حضور مضمخ بالجمال في الساحة الشعرية العمانية، وكذلك الساحة العربية، فقد استوت تجربتها الشعرية في العشرية الأخيرة، وهو دليل واضح على تمكنها الشعري.
نقتسم السلام إذا كان وفيراً.. نقتسم الحب دون بدّ.. نسوي الأمر مع الحياة لتعطينا قلماً ذهبياً مشعاً من روحها، ونبقى نكتب، ونكتب ونملأ صفحات الأمد بأجمل القصائد والأشعار الربيعية.
تبحث هذه الدراسة في سيمياء المكان وشعريتة الأدبية، بصرف النظر عن الشكل الشعري، رغم أنه من غير الممكن الانفكاك والانسلاخ تماما من تجليات الشكل ودلالاته، وأثره على المتلقي في المقاربة ما بين النصين الشعريين العمودي والنثري. واختار الباحث تطبيقا لدراسته تجربتي الشاعرين العمانيين عبدالله بن علي الخليلي وسماء عيسى، وجاء هذا الاختيار لأسباب من أبرزها شهرة هذين الشاعرين في الساحة الأدبية العمانية/ العربية، وقلة الدراسات النقدية حولهما رغم عطائهما الشعري، لا سيما الدراسات المتصلة بدلالات المكان الشعري.ويسعى الباحث إلى تحقيق هدفين أساسيين من دراسته: بيان دلالات المكان وجمالياته المتعددة، والموازنة والمقاربة ما بين القصيدة العمودية وقصيدة النثر في تناول المكان والفضاء السيميائي. ويحاول في سبيل ذلك الإجابة عن أسئلة على غرار: أين تتمظهر الأمكنة في النصين الشعريين العمودي والنثري؟ وما دلالات الفضاء المكاني وعمقها الرمزي والتأويلي فيهما؟ وكيف تبدو شعرية المكان في النص الشعري النثري موازنة بالنص الشعري العمودي؟ وكيف تتحرك الكلمات على الصفحة الشعرية بوصفها أمكنة طباعية وبصرية دالة في النص؟ وما أوجه التشابه والاختلاف ما بين النصين الشعريين أو ما بين الشاعرين الخليلي وسماء عيسى؟
يأتي هذا الكتاب ثمرةَ الصّلة الوثيقة للمؤلّف بالشّعر العُماني، فقد قرأ للعديد من الشّعراء، وحضرَ جلسات شعريّة في ربوع السّلطنة، وشارك في عدد من النّدوات والملتقيات التي خُصّصت لدراسة الأدب العُمانيّ بعامّة. كما أعدّ دراسات في المجال نفسه، واطّلع على مجموعة من الدّراسات التي قُدِّمت عن هذا الشّعر في عصوره المختلفة. ويشتمل الكتاب على مجموعة من الدراسات والقراءات والتأملات، هي: الإيقاع في ديوان "وصايا قيد الأرض" لسعيد الصّقلاوي، والحسّ الوجداني في شعر الشّيخ سالم الحارثيّ، وخصائص شعر أحمد بن منصور البوسعيدي، والجانب الأدبيّ في منظومات سعيد الرّاشدي، وتأمّلات في ديوان "ما تبقّى من صحف الوجد" لسعيد الصقلاوي، وملاحظات حول كتاب "اللّوّاح الخروصي سالم بن غسّان.. حياته وشعره" لراشد بن حمد الحسيني، وقراءة في كتاب "أثر الفكر الإباضيّ في الشّعر العمانيّ" لمحمود بن مبارك السّليمي، وتقديم لديوان "فيض من حنايا ضميري" لهلال البريدي. ويسعى المؤلف في هذا الكتاب إلى تسجيل بعض أوجُه الحضور العُمانيّ في السّاحة الشّعريّة، الذي أدّى عبر مدوّنته الغنيّة تاريخيًّا أدوارًا مهمّة رساليًّا، وتسليط المزيد من الضّوء على الشّعر العُمانيّ الأصيل المتميّز في السّاحة الأدبيّة، والكشف عن المخفيّ من الأدب العُماني الذي يكاد يُطمَس بفعل التّطوّر والحداثة.
في عبورنا السريع هذا، نحمل في حقائبنا الكثير من الأسرار والحكايات والكتب التي نفتحها في وحدتنا، على غفلة من العالم. نتوقف عندها، نتأملها، ونستعيد اللحظة بتفاصيلها العميقة. ليس ثمة وجهة واضحة في الطريق، ولكنا نتوقف لنرتب حقائب الذكريات. أي لنكتبها من أجل الإمساك بها، قبل أن تفلت من مخيلتنا، وتستدرجنا محطات أخرى، أكثر دهشة وغواية وصخباً. وها أنا، في استراحة محارب قديم، أقلب دفاتر الأيام وأطل على أرصفة ومرافئ ومحطات تركت روائحها وضجيجها في القلب، وليس أمامي سوى أن أجمع ذلك كله بين دفتي كتاب. في هذا الكتاب أرافقك أيها القارئ الكريم إلى محطات بعيدة عبرتها ذات يوم، وأفتح معك كتباً ودواوين قرأتها في رحلة ما، وأتوقف معك على تخوم قصية اكتشفتها دون سواي، وقد حان الوقت أن تشاركني لذة هذه الاكتشافات الهائلة بين هواجس الذات وتجليات الكتابة، التي تبدو في معظمها "مثل المشي في ظلام دامس"، على حد تعبير الشاعرة الأمريكية فكتوريا تشانغ.
اجتاحت الثورة المعلوماتية والتكنولوجية المهولة حياتنا اليومية لتبتلع التعقيدات الجغرافية، ولتطوي طرفي الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، مما أتاح الفرصة للمتلقي العادي أن يصبح مشاركا في صناعة الأخبار ونقل الأحداث الحية، فتحولت نشرات الأخبار التلفزيونية من قنوات تصب فيها مجموعة من البيانات والمعلومات حول حدث ما إلى نافذة تسمح للمشاهد أن يطل من خلالها على كل المستجدات والأحداث اليومية أولا بأول، ومن هنا تنامى الاهتمام بالدور الذي تضطلع به الأخبار التلفزيونية، و تأثير مضمونها على المتلقى، ودورها في تكوين رأيه واتجاهاته الفكرية. وفي ضوء هذه التغيرات المتلاحقة أصبحت نشرات الأخبار أكثر إقناعاً واستطاعت أن تستحوذ على عواطف الكثيرين من خلال نقل صور حية ومباشرة من بين أزقة الوقائع والأحداث، وبالتحديد في إطار أزمة ثورات الربيع العربي التي عصفت بمختلف البلدان العربية، وتركت الجرحى والقتلى على قارعة الطريق.. نقلت لنا نشرات الأخبار من عيون كاميرات الهواتف الذكية مشاهد حية لم نكن لنتخيّل وقوعها أو رؤيتها في يوم من الأيام على شاشات التلفاز الذي كان مجرد وسيلة للترفيه و التسلية والتثقيف، فأصبح اليوم سبباً لإفزاع الكثير من المشاهدين. بل اقتضى الأمر، أحياناً، أن يتم تحذير المشاهدين من بعض المشاهد الدموية والعنيفة التي تتضمنها النشرات الإخبارية. هكذا دخلت نشرات الأخبار في صراع ما بين الرغبة في نقل الحقيقة كما هي، وبين الالتزام بما تقتضيه الأخلاقيات الإعلامية والمهنية من نبذ للعنف ومراعاة لقداسة الوجود البشري الذي يتعرض كثيرا للانتهاك.