هـا هـي أطراف اقدامه تحط على حذائه الزهيد، حتى استقرت فيه، وتعامـد الـنـور والظلام في عينيه، لم يلبث إلا وقد ادرك الرؤية بعد تثاقل النعاس على أهـداب عينيه، هـا هـو شرف الدين يقترب من جـرة الماء، ليزيـح بقايـا النعاس بقطرات الماء اللطيفة، يميناً شمالاً، تحركت اصابعه على تضاريس وجهـه، وهي تدفع بالماء مع كل حركة. وبعد برهة من الزمن، ساقت اقدامه جسده النحيل حتى توقفت بالقـرب مـن المائدة (طاولة خشبية عتيقة، تحيط بها أربعة مقاعـد مصنوعة من الخيزران).
وعندما قالوا في بلادي لا تعط الخيط والمخيط؛ حتى لا تقع في المشكلات، أيضا ضربت بهذه المقولة عرض الحائط، فظننت أن القلوب في كندا صافية زرقاء كالسماء، لا يمكنها الخداع، حتى وإن بصقت بعض الأسر بأبنائها في الشوارع يمتهنون مهنة التسول، أو نشل جيوب الشرفاء، أو حقائب البسطاء، فهم حتما مهاجرون كان وراءهم سبب لا يعلمه إلا الله، ولا يمكنهم أن يسرقوا من الأغراب؛ خوفاً على بلادهم من الانحطاط السياحي أو الاقتصادي أو الأمني..
لقد بتُ أشعر أن هناك سجون كثيرة في الحياة كسجن الحُب وسجن الإحتياج وسجن الوطن، سجنتني الحياة عندما أتيت حاملاً آمالاً كثيرة، لقد عملتُ بريال واحد فقط لأستطيع العيش، لم أكن يوماً مثالياً وخالياً من العثرات ولكنني أيضاً لم أكن خبيثاً وسارقاً كنتُ حالماً متفائلاً متقداً لم أود الانطفاء ولا أعرف سوى الانطلاق، لكنني الآن مكبل الأحلام ومسلوب الإرادة لا حول لي ولا قوة تلقيتُ طعنات كثيرة كانت أقساها رحاب.أُدرك تماماً أن هناك كثيرين كغسان وهناك آلاف القصص التي تشبهني لكنها لم اتُكتب! هنا "ظل الماء" قصتي التي كتبتها وأنا بين القضبان الحديدية مُحاط بالكثير من الألم والحزن ..
بين وجهي الكتاب جزء من مسافر وعالم من المدن، مسافر يذهب بخيال ويعود بحلم، حلم يقظ يراود قلبه عن سكونه في وضح النهار برغبة العودة إلى مدينة سكنته أو الارتحال إلى مدينة أخرى ليحكي لها وتحكي له ويحكي عنها بعد عودته. كان السفر حلما يؤرق ليل الأيام بعناء،وما ان سلكته حتى أصبح أساسا يشغل سائر الأوقات بحثا وتخطيطا، وعندما تخذلني الظروف أشتاق لحلم الليل لأنه أقل وطأة عن حلم النهار اليقظ.. فلا سلطان على مدينة تغازلك إلا بالرحيل اليها… وخلال مدة الانتظار، استعن بالصبر والصلاة وشغل الوقت بإعادة ترتيب حقيبة سفرك التي أعدت ترتيبها عشرات المرات!
هذه الرواية تفك شيفرة التاريخ، من خلال الحكايا التي تحمل في عمقها رسائل مشفرة، فلولا الحكايات لما عرفنا التاريخ، وما التاريخ إلاحكاية تلو الحكاية، فلا يمكن قراءة التاريخ بدون تلك الحكايات والقصص. حكايات تنعي الأزمان الماضية، نعيا يخلد حكاياتهم، وتجعلك تقرأالتاريخ على نحو مختلف، فيتكشف لك المسار التطوري، ودوران عجلة التاريخ في أزمان تتناوب العبور بنا، ونتبادل في عبورها، لتفهم جوهرالتاريخ وحقيقته.
كثيرا ما فكرت وترددت عبارات حلقت حول رأسي لماذا السفر والعناء؟ لماذا الرحيل عن منطقة الراحة التي أحظى بها؟ أهناك ما يستحقالشقاء؟ وتأتي الإجابة من أعماقي الحياة ليست حياة كاملة ما لم نجرب كل ما نخافه وما لم نخض تجارب جديدة ومختلفة عن تجاربناالسابقة الحياة مغامرة وتحديات الغربة هي الشروع في الحياة على مصراعيها، وهذا الكتاب خلاصة التجربة التي خضتها، أنقلها للقراءكما عشتها، كما خضتها بحلوها ومرها ومفاجأتها ...