بعد ذلك ظهر لي وجه امرأة، ما لبث أن انفرج عن صرخة تبعتها حركةٌ سريعة من يديها، مُفرجةً عن فتحة القبر؛ ثم عابثة بما يحيطني. خلعتْ لفاعها سريعاً وغطّتني به. حرّكت شفتيها في وجهي، لكني لم أقابلها سوى بتعبير بارد. طوتني، بخفة، فوق ظهرها. وكانت، بين الفينة والأخرى، تنظر إليَّ بمزيج من الفرح الساذج. فرح نزق وهي ترسل، بين كل لحظة وأخرى، صوتاً حاداً في الخراف حولها.
كادت سيارة الدفع الرباعي ذات الكبينة الواحدة أن تنغمس بنا في كثيب من الرمال حينا أخرجها حمدان من الشارع المرصوف بصورة مفاجئة بعد أن التفت متأخرا إلى الدرب المترب الذي يوصلنا إلى المكان المقصود. كان دربنا يكشف فضاء رحبا لا يقطع إبصار اتساعه بين الأرض والسماء سوى أشجار السمر المتناثرة بكثافة متباينة وكنت وسليمان نتراص على كرسي واحد مع السائق داخل سيارة (أبو شنب) كما يطيب للناس هنا تسميتها. ربع ساعة ونوصل عند الجماعة قال حمدان طالبا مني تحديدا تحمل هزات الطريق الممتلئ بالمطبات الرملية إدراكا منه بعدم تعودي على مثل هذه الطرق كسليمان رفيقه اللصيق.
مطلب قهوته لم تقتصر على ذوي الشوارب واللحى فحسب بل تعداه ليصبح متعة نسوة صيفيات وشتويات يكثرون التردد على سوق مطرح فغدى يتقن التمييز بين من قذف بكعبها العالي مدنا بعيدة وبين من صيفتها رياح التغيير... يذرع أغلب أزقة السوق لكنه ذادرا ما يميل إلى سوق الظلام. وإذا حدث وانعطف ناحية تلك السكة التي تمثل سوقا داخل السوق تغير وجهه وتذمر وغدا صدره أضيق من ذلك الزقاق الذي تطبق الحوانيت على ضفتيه الملتويتين كسمكتي (علص) فوق حصيرة.
تكتسب إيران أهميتها بجزء كبير من موقعها الجيواستراتيجي الذي يجعل منها دولة لا يمكن أن يغفلها أي إنسان يعمل في مجال السياسة أوالإستراتيجية الأمنية الإقليمية، حيث تطل على كامل الشاطيء الشرقي للخليج العربي الذي يعتبر منطقة إستراتيجية من الناحية الإقتصادية والملاحية والأمنية، وكذلك من الناحية الحضارية، فإيران تقع في منطقة فائقة الخصوصية ومتشابكة الأبعاد، وتعد الحزام الأمني الشرقي للدول العربية وخصوصا دول الجزيرة العربية والعراق، وهي بذلك تدخل في حسابات الأمة العربية من أوسع الأبواب، فهي ليست فقط على الحدود الشرقية للوطن العربي، ولكنها أيضا تشارك العرب المصادر الطبيعية الإستراتيجية مثل النفط الذي يزداد الصراع عليه لأبعاده الإستراتيجية والإقتصادية والأمنية، كما وتشاركهم في الخليج، الذي يعتبر أهم ممر ملاحي وخصوصا للنفط، وأما بالنسبة للشرق، فهي على حدود باكستان وأفغانستان، وهما الآن من الأماكن الهامة جدا فيما يسمى الحرب على الإرهاب، وأما شمالاً، فدول وسط آسيا التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق، وهي من الدول ذات الغالبية الإسلامية وتربطها بإيران علاقات إستراتيجية، ولا ننسى خاصرة إيران الشمالية - تركيا - المدخل لأوروبا ، وما تمثله لإيران من أبعاد وقضايا حساسة، خاصة القضية الكردية.
يشكل كتاب "رواد الصحافة العمانية" صورة أقرب إلى أن تكون وثيقة سير إنسانية ومهنية لأسماء بذرت جهدها وعبرت بصحفها الظل إلى الضوء، وصنعت نماذج مشرفة للصحافة العمانية، في الوطن وخارجه، في عصر النهضة المعاصرة أو قبله بما يزيد عن نصف قرن. يهدف هذا الكتاب إلى توثيق سير أهم الشخوص المؤسسين في مسيرة الصحافة العمانية المهاجرة، لاسيما وأنهم حملوا هم الوطن في غربتهم، فظل محورا رئيسيا في صحافتهم، إضافة إلى توثيق الرواد المؤسسين الذين تبوا تجربة الصحافة الوليدة ورفعوا لواءها بعد استلام السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عمان عام ۱۹۷۰م، حيث نذروا أعمارهم لمهنة المتاعب، ولن يغيب عن التوثيق الأسماء التي غاصت بعمق في بحر الصحافة الممتد، وإن لم تؤسس صحيفة مستقلة، ولكنها شكلت علامة فارقة في الصحف التي عملت بها أو ترأست تحريرها، في المهجر والوطن.
أنا لا أتمنى غير يد / يد جريحة ، لو أمكن ذلك " قرأ بمرارة هذه الأبيات من نص للشاعر الغرناطي لوركا ، فكل ما كان يعوزه يد .. يد واحدة تعوّضه عن التي طارت في حادث سيارة ... لا يعي ماذا جرى .. ؟! كل ما لملمته شتات ذاكرته المتخبطة في تلك الليلة .. يد اقتلعت من جذورها لتطير بانفعال إلى الجهة الأخرى من الشارع ، كل ما يذكره هي أن تلك اليد عينها لم تكتف بالطيران، بل حين ارتطمت أرضا دهستها بقسوة مميتة عجلات سيارة لا مبالية .. غاب عن الوعي كما غابت يده إلى أشلاء متعفنة..!