ألم أقل لك أن الصدفة ستساعدنا؟ فتحت الباب وشرعت أصرخ بأعلى صوتي، هرع أخي خلفي ثم تقدمني وهو يمطرني بالصور ويهتف: - صرخة مونش. صرخة مونش. استمر في الصراخ. لا تتوقف. كان البيت فارغًا، وشعرت وأنا أصرخ وكأن وجهي استطال واختفت وجنتاي وضاقت عيناي وانكمش ذقني واستحال نقطة باهتة، فقد اكتسحت الصرخة جميع ملامح وجهي وطوتها في تفاصيل فمي المفتوح كهاوية. وكان أخي يرسل أضواء كاميرته وهو يهتف منتشيًا : - اصرخ..
التقط زاهر المحروقي برهافةٍ شخصيات مُدهشة من محيطه وأخضعها لمجهر الكتابة، متأمِّلًا إيَّاها ومُصغيًا إلى أحاسيسها وهواجسها وأحلامها، حتى لتبدو أنها خرجت من بطن رواية مدهشة لا من واقع معيش. في “صديق الملكة” مثلًا نشاهد الرجل العائش في الأوهام الذي يصنع بالخيال واقعًا آخر غير الذي يعيشه، وفي “آسفة.. أرفض هذه الكرامة” نندهش من المرأة المبتلاة بمعرفة ما يدور في ضمائر الآخرين قبل أن ينطقوه، وفي نص “في الوقت نفسه: أصلِّي وأقرأ النشرة!” يسرد لنا حكايتَه هو شخصيًّا وقد شُوهِد في اللحظة نفسها في مكانين مختلفين متباعدين، أما في “مطعم الأوهام العجيبة” فلا يملك القارئ إلا الابتسام وهو يقرأ حكاية المجانين الذين فرُّوا من المستشفى، ثم عادوا إليه بعدد أكبر من الذي هرب! وفي “البيوت أسرار” يحبس أنفاسنا بحكاية “الباصر” (هل أقول المشعوذ؟) الذي تمكَّن من شفاء آلام مبرِّحة في الظهر بمجرد كشفه غطاء صينية أمامه! وغيرها من الحكايات التي اقتنصها المحروقي وعرف كيف يوظِّفها في سرد مشوق، ما إن تبدأ بقراءته حتى تجد نفسك مجبرًا على المواصلة. سليمان المعمري