أنا أنت يا سين، لا يمكنك التخلص مني. إنني أناك وأناك الدفينة. لن تتخلص مني بكل سهولة، فأنت تنفثني في دخانك، وترشفني في نبيذك، وأبقى في وريدك طويلا. أنا صلاتك، تهجدك، ترنيمة خلودك، مناسك حبك، شعائر عبوديتك، نشوتك، أغنيتك، لحنك، حنينك، جنونك، ضياعك نهارا، صخبك ليلا، موتك دوما، ضميرك، تعبك وراحتك. هل تعتقد أنك تستطيع التخلص مني وأنت بدوني عدم؟ يجب أن نترك بعضا من فتات الخبز لكي نكمل هذه الدورة، فقد كان هذا أخزى عود أبدي.
حين صعد جون بول إلى السفينة في بدايات القرن التاسع عشر، ولم يكن قد تجاوز التاسعة من العمر، ليبحر من شواطئ الولايات المتحدة إلى اليمن، أوصى والدته أن تبقي باب غرفته مفتوحاً كيلا يوقظها حين عودته إن عاد ليلاً. لكنّ مصيراً آخر كان بانتظاره على شواطئ الجزيرة العربية، حيث سيعيش بقية حياته في مدينة مرباط، وقد غدا اسمه عبد الله، وراحت صورة أمه تخبو في ذاكرته، بينما هو يعايش حياة بلاد أصبح جزءاً منها وشاهداً على تاريخها. عبد الله، الذي ورث موقع والده بالتبني في التجارة والسياسة والحرب، سيعلم، وقد بلغ الثلاثين من عمره، أنّ باب غرفته في الولايات المتحدة لا يزال مفتوحا فهل يعود إلى أم لا تزال بانتظاره؟ بأسلوب روايات المغامرات الشيق يروي محمد الفارس حكايةً يمتزج فيها التاريخ والحرب والسياسة بحيوات أناسٍ فيها من الغنى ما يكفي لمحو مسافات جغرافية شاسعة.
إن كان فؤاد زكواني معلقاً بزوينة في «تانجا»، فإن الحمار والرمان معا مغروسان في صدره كعريشتين من العنب تتوزع منهما أغصان، وعناقيد، وفيض وتراتيل ، زوينة تتبرعم في قلبه وتنمو شجرة وارفة من الزعفران والأحاديث، ربما ما كان يتمناه زكواني أو ما يود أن يتمناه، بل هو بالفعل ما يتمناه، الصورة الآتية: غيمة صافية خالية من البارود، قدر قديم يشبه ذلك القدر الذي قيض له زوينة بلونها الطيني المعتق بلون الورس ورائحتها الزهرية تتأرجح على سنام الناقة بين وسائد الهودج، وحماريتسامع به العربان، حمار من سلالة وقبيلة وفصيل نادر، وغرة جبلية صافية يحمل أكياسا لا تنضب من الرمان المحتقن بالرزق والماء،.....وسنيناً لا تنتهي من الأقاصيص والعبر والضحكات.