لقد كان لرواية «الفرقة الناجية» أثرها على الأمة، وظهر فيها العرض والداء اللذان يلخصان أزمة الأمة، ولذلك وجب على الأمة أن تدرس هذه الرواية من جميع جهاتها، وأن تخرج منها بملاحظات موضوعية تستفيد منها. يجب تجاوز التصنيف الحدي للرواية بأنها صحيحة أو موضوعة أو نحو ذلك، فهذا التصنيف الكلاسيكي هو مؤشر واحد من مؤشرات قياس الرواية؛ له وعليه، ويبقى العديد من المناهج العلمية التي يجب سلوكها في التعامل معها.
الرواية الحائزة على جائزة ميديسيس لعام 2019 تستغرق أحداث هذه الرواية يومين فقط، لكنها مثقلة بهموم الأسرة المعاصرة، بما تعكسه من تصدعات وانكسارات، وصراعات بين الأجيال؛ اختلافات في القيم والمواقف والسلوكيات وأنماط العيش... هناك فوارق حياتية وفكرية شاسعة بين الأب 'فرنسوا'، الطبيب الناجح، المؤمن بقسم أبقراط، المتشبع بقيم الأسرة، وبين ابنه 'ماثيو'، الفتى الذهبي، صاحب النجاحات الخارقة في مجال المال والأعمال، لكنه المسكون بنزعة مادية لا حدود لها، وابنته 'ماتيلد'، طالبة الطب التي لا تجد غضاضة في أن تحب رجل عصابات وتتوله به من شدة عشقها له. وهكذا، يقدم الكاتب 'لوك لانغ' رواية سوداء حول الروابط الجديدة داخل الأسرة البورجوازية، إذ لم يعد الحبّ يُقيم سداها، إنما صارت محكومة بما تملكه هذه الأسرة، بل بما يملكه الفرد الواحد منها، من مال وجاه. لكنه يعرض رؤية فلسفية، في الآن ذاته، إلى عالم آخذ في الأفول، وآخر بصدد الانبثاق، مثلما يعرض اختيارًا خاصًا في الكتابة الروائية، ينبني على تصوير الأحداث، وتشذير الأفكار، وعلى الجمل الطويلة، وجمالية الكتابة وإعادة الكتابة، والمحو والإضمار
"...لفت انتباهي تشتتك، لم أترك لك مجالا للمراوغة حتى اعترفت، أخبرتني عن حلم الوطن وبقايا سفينة عربية تعود إلى القرن التاسع الميلادي عُثِر عليها قبالة جزيرة بليتانج الأندونيسية.. كانت السفينة قادمة من الصين وفي طريقها إلى ماليزيا والهند وشبه الجزيرة العربية عندما غرقت... ألف ومئتا عام وبقايا السفينة في كنه الغيب حتى قيض الله لها صيادًا يبحث عن قوت يومه، فقامت شركة ألمانية عام 1998 بإذن من الحكومة الأندونيسية باستخراج بقايا السفينة المطمورة تحت الأرض، وانتشال ستين ألف قطعة من الخزف الصيني النادر، والتي سُميت(كنوز التانج)، ولقد تكفلت سلطنة عمان بإعادة بناء السفينة، بينما قامت جمهورية سنغافورة بشراء تلك الكنوز التاريخية والمحافظة عليها".