بطلها مصاب في حادثة غيرت مجرى حياته، فقد جعل من الآكل أكلا ومن الجافي حلاوة، فتفوقت مكاسبه التعبيرية على ما بدا خسارة جسدية. فلئن كان عالمه الذي يتحرك فيه جسديا قد أصبح أضيق مكانا، فإن عالمه الإبداعي قد أتاح له أن يكون أوسع تحركا، ومحبيه ومتلقيه أكثر جمهورا. فهذه السيرة نموذج حي على انتصار الإنسان على أقسى ما يواجهه إنسان من معوقات، شعاره ما لا يميتني فهو يحييني. وللصبر فيها معنيان: الصبر المعروف بمرارته، والصبر بمعنى قوة الاحتمال على تذوقه بل وعلى استثماره، فهي وإن كانت كارثة شلت جسده فقد أيقظت موهبته الإبداعية فأثمرت تفوقا وليس مجرد تصالح مع الإعاقة. والكتاب في طبعته الرابعة لا يقدم لنا فقط ما تطور إليه الأدب العماني الحديث في السنوات العشر الأخيرة من نصف قرن النهضة العمانية المعاصرة بحيث أفرز لنا أدب السيرة الذاتية بعد الرواية والقصة القصيرة والشعر الحداثي، بل قدم كوكبة من الرؤى النقدية المتميزة التي أفرزتها هذه السيرة. إنها عمل إبداعي يدمج المتعة بالفائدة. يوسف الشاروني/ ناقد وأديب مصري
يدرس هذا الإصدار تاريخ مدينة نزوى في عهد الإمامة الإباضية الثانية وذلك بالتركيز على دراسة الأوضاع السياسية والحضارية. ويأتي اختيار الموضوع من كونه يتناول مدينة تعدُّ من أشهر المدن العمانية على مر الفترات التاريخية لعمان، إذ ظلت عاصمة لدولة الإمامة مدة طويلة، مما جعلها تسهم في رسم ملامح التاريخ العماني بصورة واضحة، كما أثّرت في مختلف النواحي السياسية والحضارية، أما تحديد فترة الدراسة بالإمامة الإباضية الثانية (177 - 280 هـ / 793 – 893 م)، فلأنها فترة مهمة في تاريخ عمان، إذ تمكن الإباضية من إقامة كيان سياسي قوي بعد انهيار الإمامة الإباضية الأولى، واستمر هذا الكيان ما يزيد على قرن من الزمن، شهدت عمان في عهده ازدهارا طال مختلف جوانب الحياة، فضلا عن أنه تزامن مع قيام الإمامة الإباضية الثانية انتقال عاصمة الدولة من صحار إلى نزوى، مما جعلها في بؤرة الأحداث العمانية.
لماذا يذكّرنا هذا الكتاب بمزيج عجيب من جماليات المكان لباشلار، ومتواليّة أصلان المنزلية، وحتى فضاءات المكان لجورج بيريك؟ لا تأخذنا أمل السعيدي إلى أماكن عدّة، بل إلى ذاتها الأكثر عمقًا وتموضعها في "المسكَن" بتفاصيله الساكنة والأقل ملاحظة، من "بورتريه لفرشان الأسنان" و"مقص الحبوب المنومة" إلى "سأقتل أبي" و"في الحقل، أنا غياب الحقل" بكتابة سردية جديدة وخاصة لا تجافي الشعر ولا تتلوّن بالقصّ كثيرًا.