في هذه الرواية يتلاصق الجنون المغيّب للعقل مع البحث العلميّ المتقدم المعبر عن سعة العقل وقوة إدراكه، وتتلاقح عبر سطورها، الفلسفة والتأمل والطيران بعيدا عن المنطق والأفكار المقيدة لشطحات العواطف. إنها رواية يمتزج فيها الشرق والغرب والعرب وأوربا من خلال بطلها الغرائبيّ المتكوّن من أب عُمانيّ يحاول الفكاك من وطأة تقاليد الريف وعادات القرية حتّى اهتزت قواه واضطرب تفكيره، وأمّ إيرلنديّة لم تستطع احتمال ذلك الجوّ الصارم ففرت هاربة بطفلها الصغير تاركةً أخاه الأكبر يواجه قدره غير مبالية به.
ما تمنيت في الحياة أن أخلص لشيء أكثر من إخلاصي لأمومتي تلك هي الحياة التي تمنيتها يوماً والحلم الذي سعيت إلية..، فيكفي أن أكون أنا التي عليها الأن، الأم التي كنت أراها في عاطفة أمي وتضحياتها، إلى درجة أني ما تمنيت شيئا قدر ما تمنيت أن أكون أمي، وأن أكون تلك المرأة التي أنجبتني وزرعت في قلبي بذور المحبة، لتكبر شجرة أمي وأزرع من ذات بذورها في قلوب أبنائي الذين بهم أحيا سعادتي بحياة يملأها ضجيجهم وصخبهم وصراخهم، فلا حب يشبه محبة قلب الأم ولا عاطفة أصدق من عاطفتها.
بعد هذا التطواف بين معالم إيران الجمهورية الحديثة، وآثار الحضارة الفارسية التليدة؛ لا أملك إلا أن أحث القاريء الذي يملك زادا وراحلة أن يشق الطريق خارج وطنه، سائحا أو طالبا للعلم أو جوالا، حتى يجمع خيوط المعرفة، وتصقله التجربة، ويكتسب مهارات شتى، ليكون جسرا حضاريا بين حضارة موطنه الأصلي وحضارات الدنيا المتباينة؛ فلكل بلد نكهة خاصة، وعاداته وتقاليده الحضارية التي لا تشبه حضارة أخرى؛ وإن كنا جميعا نعود إلى آدم - عليه السلام - إلا أن الله جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون، مع احتفاظنا بسمات وملامح خاصة لكل ثقافة. وأختتم بقول الرحالة ابن بطوطة اللواتي: «إنه السفر؛ يتركك صامتا، ثم يحولك إلى قصاص»، وهذا ما حدث معي، ففي الكتاب الذي بين أيديكم مجموعة من القصص. كما أستعين بقول المؤلفة الأمريكية إسبانية الأب وألمانية الأم، والمولودة في فرنسا أناييس نن: «نحن نسافر، ويستمر سفر بعضنا للأبد للبحث عن أماكن أخرى وحياة أخرى وأرواح أخرى»، وهأنذا مازلت أبحث وأخطط لرحلة جديدة، وأردد مع المستكشف والمترجم الإنجليزي السيد ريتشارد بيرتون: أسعد لحظة في حياة الإنسان، حسب اعتقادي، عندما يرحل إلى أراض لا يعرفها.