اكتسب سؤال التصوف راهنيته من كونه معراجاً خاصاً لروح الإنسان، ملاذه الآمن وعزاءه المؤجل... والإنسان في عُمان ليس استثناءاً من ذلك، على العكس، فإن الجغرافيا والتاريخ والثقافة والأفكار، فجّرت في داخله تساؤلات وتوجّسات، شكوك ويقينيات، قلق واطمئنان، بثّها بأشكال عِدّة، منها ما انعكس على سلوكه ومنها ما أودعه في مدوناته. لذا، من يفهم التصوف في عُمان يقترب من فهم الإنسان، أولم يكن التصوف يوماً الضوء الذي يستأنس به هذا الإنسان في طريق بحثه عن المعنى بلوغاً إلى الله. التصوف كفكرة وخياراً وسلوكاً، وكتجربة، ورحلة ويحاة في عُمان تستحق جُلّ التأمل والدرس. إذ، لم يعد كافياً الركون على المقاربة الدينية لموضوع التصوف، ولا زاوية النظر التاريخية بوسعها التصدي لمهمة معقدة كهذه، التصوف أكثر وأعمق من هذا كله. لذا، كانت بذرة هذا الكتاب: إعادة قراءة تجارب ومدونات أهل التصوف والسلوك في عُمان من زوايا نظر متعددة، وعبر عصور وحِقب مختلفة. ليس احتفاءً بعطاءاتهم والإضاءة على إشاراتهم التي تركوها فحسب، بل ونقداً متسائلاً في عباراتهم التي وثّقوها أو نُقلت عتهم. حث لا إدراك إلا بالتأمل في مجاز الإشارة وجلاء العبارة.
توحيد الله كلمة تختصر كل تفاصيل الحياة .. إن تجسدتْ في روحك فأنت في العلياء التي ليس بعدها علوّ .. وإن خلت منك فأنت في الحضيض الذي ليس دونه شيء .. إن كان توحيد الله يغمر قلبك فأنت تعيش حياة السلم والتسليم لله وحده .. وإن كان قلبك فقيرا من ذلك فكل اليقين بأنك في نشاز واضطراب .. توحيدك لله يحرك أقوالك وأفعالك ويكون مرآتك التي تعكس ما في باطنك .. فبالتوحيد تهب فكرتك وبالتوحيد تهذب سلوكك .. به تقوى لأنك في كنف القوي وبه لأنك في معية العزيز .. بتوحيد الله تكون في مأمن مع الجبارفيجعلك بعيدا عن الصدوع التي قد تلحقك من الداخل أو الخارج .. توحيد الله يجعلك تجمع بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على الله فتضعهما في قالب واحد يدعمك من أجل النهوض والصمود والاستمرار ..
أكتب اليك من عالمي المسكون بالوجع والخيبة والجراح الى عالمك المسكون بالسكينة والطمأنينة وأهمس في أذن روحك لا أريد أن أتذكرك فلا يتذكرك سوى من استطاع نسيانك يوما أريد أن أحياك بكل ما في هذا القلب من حياة فما أحوجني للبوح ما أحوجني لكتابة رسالة لقلبك المحب الصادق ما أحوجني اليك لذلك أستعيدك رغم الغياب ورغم الفقد أستعيد كل تلك اللحظات التي كونا فيها معا ها أنا أمشط الطرقات وحدي أبحث عنك عن رفيق أبثه همي أضحك معه بذات الصدق الذي كنا فيه معا أنازعه كما أنازع نفسي فأنا ما كتبتك وأنت على قيد الحياة ولكني أكتبك اليوم وأنت على قيد الموت لأقول لك كم أنا بحاجه لأن أتحدث اليك كما كنت بحاجه لأن أقول لك كل ما في هذا القلب من ألم الحكايات في غيابك لأبكي بحجم كل هذا الفراغ الذي أغرق فيه حتى الأختناق.
ربما لن نخفي اعتقادنا بأن القصة القصيرة في عمان هي القادم الجديد. ولعل الرائي من الأرض إلى السماء عبر الفراغات التي تحدثها الريح لدى تحريكها لسعفات النخيل، قد يتراءى له أن هذه السعفات هي التي تحرك ببطء قرص الشمس الذي ربما لم تعد تحركه قوانين حركة الأجرام الكونية، بل قوى الحدث الذي ينسج في البعيد. يأتي هذا الكتاب ثمرة جهود عامين متتاليين من نشاطات فعاليات أسرة كتاب القصة في عمان، بالنادي الثقافي، والتي انتظمت في أكثر من أربعة من أمسياتها الدورية في الفترة الممتدة من يناير 2007 إلى يناير 2009. وبطبيعة الحال فإن القراءات القصصية والنقدية المتضمنة بين دفتي هذا الكتاب هي بعض مما أنجز في الفترة المذكورة، ولا تمثل إلا توثيقاً جزئياً تم اختياره بشيء من الانتقاء ليمنح قارئه فرصة التعرف على بعض التجارب القصصية العمانية الحديثة.. وقد أدرج معدا الكتاب في نهايته ببليوغرافيا بالمجموعات القصصية التي صدرت لكتاب عمانيين في الفترة ما بين عامي 2000 و2008.. نأمل أن يصبح هذا الكتاب مرجعاً مفيداً يضيف رصيداً معرفياً للقارئ والكاتب والناقد المتتبع لنشاط الحركة القصصية وكتابها في سلطنة عمان.
يكمل الكاتب راشد الجديدي ما بدأه من فصول ملحمة للموت حكايات. يأخذنا مع فاطمة التي هربت بطفليها من زنحبار إبان إنقلاب 1964 وما حصل فيه مجازر شنيعة وتنكيل، إلى وصولها إلى بر عمان والأحداث التي مرت بها هناك. كذلك تتحدث رواية سفر الغواية عن دينيس التي بقيت في الجانب الآخر من البحر (زنجبار) وكيف نجحت في الانتقام من قتلة زوجها الذي صلب وقتل في الجزء الأول من الثلاثية الملحمية.
كانت متمهلة جدا، وكأنها يد خبير يحاذر الخطأ، يبتعد عن النقص، والتشويه غير المتعمد، أخذت قطعة من الحلاوة ووضعتها على ساقها، شدت بقوة، تأوهت، عضت على الشفة السفلى، أصبحت شهية بعد أن مصت الألم المشدود إلى شفتيها.
كانت رحلاتي بكل ما تحمله الكلمة من معنى مؤثرة باتجاه البلدان الفقيرة وهي التي خلفت أثرا إيجابيا في نفسي، لذلك فأني مدين لكرم أهالي العائلات التي استضافتني وتعاملهم معي محتفظا بكل الذكريات الجميلة معهم. لقد أيقنت أخيرا بأني وقعت في حب الشعوب الفقيرة، ولا أمانع أن أكملت بقية حياتي معهم، فهم يعيشون سعداء حياة ملؤوها حب وتفاني وأكتفاء.
سفينةرمضان: انحياز إلى حيث التجديد في الخطاب، استراتيجيات فاعلة من شأنها أن تغير حياتك، يجمع بين المتعة والفائدة، يالها من مغامرة جديرة بالتجربة، إبحار مختلف يجمع بساطة الأسلوب وعمق الطرح مع روعة التخطيط وتماسك المضمون.
لا أعرف لم استحضرت تلك اللحظة سفينة نوح، السفينة التي أنقذت المؤمنين من الطوفان العظيم، المؤمنون فقط من نجو بتلك السفينة، البقية غرقوا، تلك اللحظة أحسست بالخديعة، كنت مؤمنا بالإعلام الرسمي، أحسست بأننا تركنا لنغرق ولم تكن هناك سفينة تشترط الإيمان للنجاة من الطوفان أو أن تلك السفينة غادرت ولم نشعر بها، خدعتنا وتركتنا نواجه كل هذا الشك والخوف، السفينة التي آمنا بها خذلتنا كلنا، تركتنا نغرق، ندمر، نموت، لقد مرت في ساعات ذروة الطوفان وكان قائدها يبتسم بلا اكتراث، تخيلت المشهد، إنه يقهقه ويرفع إزاره عاليا ليظهر من بين ساقيه خرطوم طويل ثم يصرخ فينا " هيا تعلقوا به .. إنه سبيل نجاتكم "، حاولنا، لقد كان ذلك الخرطوم يحتاج لمواصفات خاصة لكي يتمكن من الإمساك به، كان يحتاج للقدرة على الابتسام وعدم الاكتراث أو الإحساس بالآخرين، يحتاج للكثير من النرجسية والقدرة على التلون كحرباء في كل الأوقات والأزمان .. ولم نكن نجيد تلك الصفات، رويدا رويدا كانت تلك السفينة تختفي وتخلفني مع آخرين آمنوا بها، .. عراة ووحيدين ومرضى نصارع الخوف والموت والمصداقية المتوارية بعيدا في الأفق..
الكتابة فعل الموسوسين، أولئك الباقون خلف الريح، تدفع بهم نحو.. العقل؟؟ اقتربت من الحرف الأخير، أتساءل: من أين نبدأ؟ وبين (الألف والياء).. ستة وعشرون سببا.. للموت..
لقد كان ذلك حُلماً. وكانت حشود الشعراء تجاهد في الوصول للسماء الوحشية، للأعالي التي تخفق فيها راية السخرية والخلاص المرتبك. لم يكن هناك خلاص قطعاً، بل مصهر حارق تتشكل فيه الأبدان، برزخ غريب تتنزه فيه الصورة، كما لو أنه لا بدّ من حضور طويل العنق، لا بدّ من مسافات خارقة صوب الأعلى، صوب الشمس، ليتحقق ارتطام إيكاروس، ليحتفي الكون كلّه – كعادته - بالمأساة النهمة الصيفية. لم يكن سُلماً أسمنتياً أو حديدياً، أو خشبياً، بل سُلماً مجدولاً من الحبال، الخام الأول للكون، مشدوداً إلى بعضه بإحكام، ولكنك تحسب لأول وهلة أنه منتزع من شجرة الضياع لا من ألياف نخلة، وأنه لم يُخلق كيما يكون درَجاً أو مصعداً، بل تهكّماً من الأقدام، أو تحدياً لها. سلّم يبتغي أن تطأ متنه ومتانته الهشة بالمجالدة، بخفة السفر، بوفرة الإحساس بالرعب، بالضلوع التي تحوم حولها النسور والغربان، بالرؤوس التي سُلِّطتْ على مشاريعها وأحلامها البروقُ المخاتلة..