إن ذلك الإيمان السمح الذي فهمه وتفاعل معه العالم والإنسان العادي على السواء قد تاه في الزحام، فغزته الفلسفات العقيمة واخترقته الإسرائيليات الخرافية، وضيعته الروايات الكاذبة، ففقد صفاءه ونقاءه وتحول إلى ماديات جوفاء لا روح فيها ولا حياة، إن الكثيرين اليوم - بسبب نظرتهم المادية - لا يتصورون حقيقة الإيمان إلا بوجود جن يتلبسون بالإنسان ويمكن رؤيتهم، وسحرة لهم قدرات لا حدود لها، ورقى يعالجون بها مختلف الأمراض من السرطان إلى الزكام، وكرامات خارقة هي معيار الولاية والقرب من الله تعالى. أليست هذه هي المادية البحتة التي لا تعبر عن جوهر الإيمان وحقيقته القائمة على الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟!.
مع التغيرات المتلاحقة التي شهدها العالم والتطورات العلمية والتكنولوجية التي تسارعت وتيرتها في القرن الأخير، أصبحت تتخلق نظرات جديدة للنص، وللأدوات التي يعالج بها هذا النص، مدفوعا هذا بتطور مجموعة من العلوم الجديدة المعاصرة التي أصبحت تفرض واقعا جديدا وتتكاتف معا لتنتج مخرجات أكثر قدرة على المساهمة الفاعلة في عصر تغلب عليه التكنولوجيات المتقدمة. وأصبحت العودة لمحاكمة المسلمات القديمة حتمية عندما أصبحت لا تلبي متطلبات العصر، وعندما أصبحت أيضا الكشوفات والتطورات في العلوم المحيطة تفرض نفسها بنتائج أكثر تقدما وتقول بعدم صلاحية تلك المسلمات في المحيط وبطبيعة الحال فعلوم النص وأدوات معالجته ونظرياته القديمة ليست استثناء من ذلك, ومن بينها الاستعارة. فالاستعارة اليوم في الدراسات الحديثة -وخاصة المعرفية- ليست هي الاستعارة كما طرحها أرسطو ونظر إليها، وتبعه من جاء بعده من علماء البلاغة العربية, فقد تغير النظر إليها جذريا، وأصبحت دلالاتها قبلية وبعدية وكذلك في بنية النص نفسه، ومعها أصبح الاستقراء أكثر اتساعا ليس للكاتب أو الأديب فقط، وإنما للفكر الذي تتحرك من خلاله وفيه بل هي نفسها أصبحت صانعة لهذا الفكر.
يُعنى هذا الكتاب بمهد الحضارة الكبرى والرائدة في المنطقة، وهي حضارة وادي الرافدين، فيبحث فيما استكشف من مدن قديمة في محورها الرئيسي وادي الفرات، من أعاليه في سورية إلى أواسطه في السهل الرسوبي جنوبي العراق. ومن ثم يستكشف هذا البحث ما وثق من شبه الجزيرة العربية في مدونات حضارة وادي الرافدين، وهي المدونات الأساسية في تغطية العصور التاريخية القديمة في المشرق العربي وما يجاوره من مناطق. وأفرد فصل خاص لعُمان حيث وثقت جوانب من حضارتها في مدونات حضارة وادي الرافدين فضلاً عن عمليات التنقيب الأثري.
تناول الكتاب المؤثرات الفكرية والعقدية والسياسية وفاعليتها في صياغة الخطاب الاستنهاضي في الفترة الزمنية بين 1860-1970 بما شهدته من أحداث وتحولات على الصعيد السيوجغرافي. يتطرق الكتاب إلى المقومات الأساسية التي بها تشكل شعر الاستنهاض كغرض متوائم مع تلك الفترة، ويبحث في الجوانب الفنية والأسلوبية والإيقاعية بضرب نماذج شعرية على رأسهم أبو مسلم البهلاني تفضي إلى خلاصة مرجعية لغرض الاستنهاض.
يضم هذا الكتاب خمسة عشر بحثًا هي مجمل بحوث الندوة العلمية التي نظمها النادي الثقافي بمسقط يوم 6 نوفمبر 2018م حول الإمام جابر بن زيد الأزدي (18هـ-93هـ/642م-712م)، وهي تسعى إلى قراءة فكر الإمام قراءة معاصرة، تنحو إلى المستقبل؛ وذلك للأثر العميق الذي تركه في بلده عُمان حتى اليوم. توزعت البحوث على محاور ذات أبعادٍ لم تُطرق من قبل، من مثل تأثير البيئة؛ البَصرية -والعراقية عموماً- ثمّ الحجازية، وقبلها العُمانية، على الإمام جابر، والرؤية الأخلاقية التي التزم بها، وأثرها في تغيير الواقع، والأبعاد التربوية لكونها أساساً نفسياً متحققاً في ذات الإمام جابر من الأصل، والفلسفة المثالية الواقعية التي واجه بها الطغيان الأموي، والفقه المقصدي الذي كان جابر من أوائل من أرسى معالمه، والبواكير العقدية الأولى لديه التي شكّلت ملامح الجدل الكلامي في ما بعد، وتحليل كتب من التراث احتوت على آرائه وأقواله.
ارتبطَ الإنسان العُماني بالبحر منذ فجر التّاريخ، فانعكسَ ذلك على مظاهر حياته اليوميّة، وظهرت تجلّيات هذا الانعكاس في الحركة الأدبيّة عمومًا، وبخاصة في المدوّنة الشّعرية؛ إذ تفاعلَ الشاعر العُماني مع بيئته، وتأثّر بها سواء أكان من أبناء البيئة الساحلية أم غيرها، وتبدّى هذا في شعره واقعيًّا ورمزيًّا بما يتناسب مع عصره، ووفقًا لأفكاره وتجاربه الشخصيّة. إنّ عالم البحر بمظهره ومخبره، وبأسراره وغموضه وإيحاءاته، مكَّن الشاعر العُماني من استحضاره واستلهامه واتّخاذه رمزًا والإحالة إليه، ويبدو هذا ماثلًا في عدد كبير من القصائد التي اعتمدت على البحر محورًا أساسيًّا أو فرعيًّا. ويتناول هذا الكتاب موضوعَ البحر من خلال دراسة الدواوين التي صدرت بين عامَي 1970 و2000؛ للتعرف على كيفيّة توظيف الشّعراء العُمانيين المعاصرين للبحر، ودلالة ذلك في تجاربهم الشعريّة على اختلافها وتنوّعها.
يحاول المؤلف في هذه الدراسة أن يحفر بحثا عن آثار وبقايا كتاب «حانوت عطار، لابن شهيد أبي عامر أحمد بن عبدالملك بن أحمدالأشجعي الأندلسي، وهو كتاب ذو قيمة علمية عالية على ما يبدو، فما روي ونقل عنه من شموله على ذكر للأدباء وأشعارهم، ومناقشاته الأدبية، يجعلنا ندرجـه ضـمـن الموسوعات الأدبية النقدية. ولما كان من المتعذر الوصول إلى النص الكامل لـ «حانوت عطار» وبسبب ندرةالمادة العلمية عنه، رأى المؤلف أن يسمي دراسته «بخـور مـن حانوت عطار»، عله يضع لبنة في المكتبة الأدبية والنقدية مفتاحا لهذا الأثر، وأملا في أن يتناول الباحثون ما اهتدوا إليه منه بدراسات أعمق.
"لقد كانت الخطوط الحمر واضحة قبل أن تتداخل الآن. هل يمكن أن يكون خوفي هو خوفكم؟ الخوف الذي تشعرون به في هذا البلد. لو كنت في مكاني، عزيزي المستمع، الآن مواجهة الميكروفون، ستشعر، ما أعنيه تماما من الخوف الأزلي ورهبة الكلمة". من قصة "النبأ الأخير"
من أين جاء العالم؟ هل أن لكل شيء بداية؟ لماذا تحتاج الكائنات إلى موجد؟ ولماذا استغنى الموجد عن الحاجة؟ هل صفحة الكون سراب بقيعة يحسبها الظمآن ماء؟ أم هي مرآة تتجلى فيها الذات الإلهية المقدسة؟ هل الوجود محصور في هذا العالم؟ أم أن له مراتب؟ وهل فعلا العالم نهر عظيم يأخذ بكائنات عبر الموت من ضفة الدنيا ليلقي بها إلى ضفة الحياة الأخرى؟ وهل بلوغ القرب الإلهي متاح؟ كيف تسللت الشرور والمصائب في صناعة هذا الكون؟ ما القضاء؟ وما القدر؟ وهل للإنسان الكامل وجود؟. ظلت هذه الأسئلة تجتاح ذهن إيمان ردحا من الزمن، إلى أن وقع بصرها على عالم صوفي، فاقتنته، علها تروي غليلها بالسفر فيه، والتزود منه. وكم أسعدها السفر في ذلك العالم البديع، ولكنها، حين العود، لم تجد ما تتشبث به، لتردع عن تفكيرها هجوم تلك الأسئلة الغامضة مجددا، إلا أن تقول“ إن الفيلسوف الحقيقي لا يعترف بالفشل أبدا.