لماذا التقدم العلم وتأخر الوعي؟ الجزء الثاني
الأمة التي ابتلت أو أبلت نفسها بداء غيبوبة الوعي بسبب تقصيرها في حق نفسها، عليها على أقل تقدير تناول ترياق السؤال، السؤال عن كل شيء، وفي كل شيء، عليها أن تعيش حياة السؤال؛ لأن كل العلوم والأفكار والفلسفات جاءت من رحم السؤال، والسؤال المناسب المسقط على الواقع غير المناسب يفتح آفاقاً معرفيةً جديدةً وفضاءً واسعاً من الأجوبة، أجوبة كانت بعيدة عن وعينا قبل رمي حجر السؤال في بئر طمأنينة الركود الآسن. السؤال أول مختبر عرفته الإنسانية على الإطلاق، كان السؤال وما زال مجس الفلاسفة ومسبارهم، علينا إستخلاص الربح من فم الخسارة، علينا تحويل حجر العثرة، عثرة التمسك بالظنون (الحقائق) المسكونة في المعتاد والمقلد إلى حجر طلق وكسر، طلق نحو الأفق الأعلى، وكسر سقف الأفق المصطنع جراء الظنون والأوهام المتراكمة على النفس والفكر، لا سيما وإن من طبيعة الأوهام في فترة غياب الوعي النمو والزيادة، ومن أخطر الأوهام على الإنسان وهم إعتقاده أنه بلا أواهم... عاتق المسؤولية ملتقى على كاهل الجميع، على كاهل كل المجتمعات العربية بمشرقها ومغربها، ولا يتأتى ذلك إلا بعد إعادة تدوير فوهة الوعي العربي، وعلى الناصح في هذه المجتمعات قلب أوعية الوعي إلى أصولها المفروضة، قبل أن يُلقي في روع مجتمعه النصح والإرشاد، فالكأس مقلوبة الفوهة لا تمتلئ بالمال وإن طُرح فيها نيل مصر والنيلين (دجلة والفرات)، أما الكأس شامخة الفوهة فقطرة من غيث السماء تملأها...