مذاق الصبر
بطلها مصاب في حادثة غيرت مجرى حياته، فقد جعل من الآكل أكلا ومن الجافي حلاوة، فتفوقت مكاسبه التعبيرية على ما بدا خسارة جسدية. فلئن كان عالمه الذي يتحرك فيه جسديا قد أصبح أضيق مكانا، فإن عالمه الإبداعي قد أتاح له أن يكون أوسع تحركا، ومحبيه ومتلقيه أكثر جمهورا. فهذه السيرة نموذج حي على انتصار الإنسان على أقسى ما يواجهه إنسان من معوقات، شعاره ما لا يميتني فهو يحييني. وللصبر فيها معنيان: الصبر المعروف بمرارته، والصبر بمعنى قوة الاحتمال على تذوقه بل وعلى استثماره، فهي وإن كانت كارثة شلت جسده فقد أيقظت موهبته الإبداعية فأثمرت تفوقا وليس مجرد تصالح مع الإعاقة. والكتاب في طبعته الرابعة لا يقدم لنا فقط ما تطور إليه الأدب العماني الحديث في السنوات العشر الأخيرة من نصف قرن النهضة العمانية المعاصرة بحيث أفرز لنا أدب السيرة الذاتية بعد الرواية والقصة القصيرة والشعر الحداثي، بل قدم كوكبة من الرؤى النقدية المتميزة التي أفرزتها هذه السيرة. إنها عمل إبداعي يدمج المتعة بالفائدة. يوسف الشاروني/ ناقد وأديب مصري